للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لسمِعَه كلُّ أحدٍ، ولكن هو أمرٌ آخر باطن، ليس هو مجرَّدَ الرُّوحِ منفصلًا عن البدنِ، فالنائمُ قد يسمعُ ويتكلمُ، وذلك برُوحِه وبدنِه الباطنِ؛ بحيثُ يظهرُ آثارها في بدنِه حتى يقومُ، ويصيحُ، ويمشي، ويتنعمُ بدنُه ويتعذَّبُ، ومعَ ذلك فعينُه مُغمَضة، وغالبُهم أن لسانَه لا يتحركُ؛ لكن إذا قوِيَ أمرُ الباطنِ قد ينطقُ اللسانُ الظاهرُ حتى يصوتَ به، ولو نُودِي من حيثُ الظاهرُ لا يسمعُ.

فكما أن النائمَ حالُه لا يشبهُ حالَ اليقظانِ، ولا أحوالُه مختصةٌ بالرُّوحِ، فالميتُ أبلغُ من ذلك، فإن معرفتَه بالأمورِ أكملُ من النائمِ.

وإدراكُ الإنسانِ بعدَ موتِه لأمورِ الآخرةِ أكمَلُ من أهلِ الدنيا، وإن كان قد تَعْرِضُ للميتِ حالٌ لا تدركُ، كما قد يَعرضُ ذلك للنائمِ، وقد رُوِي: «من مات ولم يُوصِ؛ لا يستطيعُ الكلامَ» (١).

وأرواحُ المؤمنينَ - وإن كانت بالجنةِ - فلها اتصالٌ بالبدنِ إذا شاءَ اللهُ تعالى من غيرِ زمنٍ طويلٍ، كما تنزلُ الملائكةُ في طَرْفةِ عينٍ، قال مالكٌ: بلغني أن الرُّوحَ مُرسَلةٌ، تذهبُ حيثُ شاءَتْ (٢)، ولهذا رُوِي:


(١) روي عن قيس بن قبيصة مرفوعاً بلفظ: «من لم يوص؛ لم يؤذن له في الكلام مع الموتى». قيل: يا رسول الله! وهل يتكلمون؟ قال: «نعم، ويتزاورون»، ذكره الحافظ في "الإصابة" (٥/ ٣٧٥) من رواية أبي موسى المديني من طريق عبد الله الألهاني عنه، وقال: (سنده ضعيف) وينظر: السلسلة الضعيفة للألباني ١٠/ ١٨٨.
(٢) رواه ابن أبي الدنيا في كتابه ذكر الموت، نقله عنه شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى ٤/ ٢٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>