للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ فِي الذُّنُوبِ الكَبَائِرِ (١)

أمثلُ الأقوالِ فيها: هو المأثورُ عن السَّلَفِ؛ كابنِ عبَّاسٍ (٢) وأبي عُبَيدٍ وأحمدَ بنِ حنبلٍ؛ وهو: أن الصغيرةَ ما دونَ الحدَّيْنِ؛ حدِّ الدنيا، وحدِّ الآخرةِ، وهي معنى قولِ من قال: (ما ليس فيها حدٌّ في الدنيا)، وهو معنى قول القائل: (كلُّ ذنبٍ خُتِم بلعنةٍ، أو غضبٍ، أو نارٍ؛ فهو من الكبائرِ)، ومعنى قولِهم: (ليس فيها حدٌّ في الدنيا، ولا وعيدٌ في الآخرةِ)؛ أي: وعيدٌ خاصٌّ، كالوعيدِ بالنارِ، والغضبِ، واللعنةِ.

وذلك لأن الوعيدَ الخاصَّ في الآخرةِ كالعقوبةِ الخاصةِ في الدنيا، فكما أنه يُفرَّقُ في العقوباتِ المشروعةِ للناسِ بينَ العقوباتِ المقدرةِ بالقطعِ، والقتلِ، وجلدِ مائةٍ، أو ثمانينَ، وبينَ العقوباتِ التي ليست بمقدرةٍ، وهي التعزيرُ؛ فكذلك يُفرَّقُ في العقوباتِ التي يَجْزي اللهُ بها العبادَ - في غيرِ أمرِ العبادِ بها - بينَ العقوباتِ المقدرةِ؛ كالغضبِ، واللعنةِ، والنارِ، ونفسِ العقوباتِ المطلقةِ.

وهذا الضابطُ يسلمُ من القوادحِ الواردةِ على غيرِه، فإنه يُدخِلُ كلَّ ما ثبَتَ بالنصِّ أنه كبيرةٌ؛ كالشركِ، والقتلِ، والزنى، والسحرِ، وقذفِ المحصناتِ، وغيرِ ذلك من الكبائرِ التي فيها عقوباتٌ مقدرةٌ مشروعةٌ،


(١) ينظر أصل الفتوى في: مجموع الفتاوى ١١/ ٦٥٠، الفتاوى الكبرى ٥/ ١٣٠.
(٢) أخرج الطبري في التفسير (٦/ ٦٥٢)، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «الكبائر: كل ذنب ختمه الله بنار، أو غضب، أو لعنة، أو عذاب».

<<  <  ج: ص:  >  >>