للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس له أن يحكمَ بما شاءَ، ومن جوَّز ذلك؛ فهو كافرٌ باتِّفاقِ المسلمِينَ، وليس هذا مختصًّا بمعاذٍ رضي الله عنه.

وليس للحاكمِ منعُ الناسِ مما أباحَه اللهُ ورسولُه؛ مثلُ: أن يمنعَ أن يزوجَ المرأةَ ولِيُّها بحضورِ شاهدَين، أو يمنعَ الشهودَ أو غيرَهم من كتابةِ مهرِها، أو من كتابةِ عقدِ بيعٍ، أو إجارةٍ، أو إقرارٍ، أو غيرِ ذلك، وإن كان الكاتبُ مُرتَزقًا بذلك.

وإذا منَع القاضي ذلك ليصِير إليه منافعُ هذه الأمورِ؛ كان هذا من المَكْسِ، نظيرُ مَن يستأجِرُ حانوتًا في القريةِ على ألا يبيعَ غيرُه، وإن كان منَعَ الجاهلين لئلا يعقِدَ عقدًا فاسدًا، فالطريقُ أن يفعلَ كما فعَل الخلفاءُ الراشدونَ مِن تعزيرِ مَن يعقدُ نكاحًا فاسدًا، كما فعَلَه عثمانُ فيمن تزوَّجَ بغيرِ وَلِيٍّ، وفيمن تزوَّجَ في العِدَّةِ (١).

وهل يجبُ على الشخصِ أن يلتزمَ مذهبًا واحدًا بعينِه، يأخذُ بعزائمِه ورُخَصِه؟ فيه نزاعٌ في مذهَبِ الشافعيِّ وأحمدَ، وجمهورُ العُلماءِ: على أنه لا يجبُ على أحدٍ أن يقلِّدَ شخصًا بعينِه، ولا يلتزمَ مذهبًا بعينِه فيما يوجبُه ويحرمُه، وهذا هو الصوابُ؛ فإنه يقتضي تنزيلَ الشخصِ الواحدِ المُعيَّنِ منزلةَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وذلك غيرُ جائزٍ؛ لكن من عجَز عن الاجتهادِ؛ جاز له التقليدُ، وهل يجبُ عليه الاجتهاد في أعيانِ المفتينَ،


(١) لم نقف عليه عن عثمان، والمعروف عن عمر رضي الله عنهما في تعزيره لطليحة الأسدية لما نكحت في عدتها من رُشيد الثقفي، رواه مالك (٢/ ٥٣٦)، وعبد الرزاق (١٠٥٣٩)، والشافعي في مسنده (ص ٣٠١)، والبيهقي في الكبرى (١٥٥٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>