للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيقلِّدُ أعلَمَهم، وأديَنَهم، أم يقلِّدُ مَن شاءَ؟ على قولَينِ في مذهَبِ أحمدَ والشافعيِّ وغيرِهما.

ونهى العلماءُ عن اتباعِ رُخَصِ المذاهبِ؛ لأن هذا يُفضي إلى الانحلالِ (١).

والاجتهادُ يقبلُ التجزؤ والانقسامَ؛ بل قد يكونُ الرجلُ مجتهدًا في مسألةٍ، أو صنفٍ من العلمِ، ويكونُ غيرَ مجتهدٍ في مسألةٍ أخرى، أو صنفٍ آخَرَ؛ بل أكثرُ مَن عندَه تميزٌ من العلم من المتوسطينَ؛ إذا نظَرَ في مسائلِ النِّزاعِ، وتأمَّلَ أدلةَ الفريقينِ بقصد حسَنٍ ونظَرٍ تامٍّ؛ ترجَّح عندَه أحدُ القولَينِ، ولكن قد لا يثق بنظَرِه، والواجبُ على مثلِ هذا أن يتَّبعَ القولَ الذي ترجَّح عندَه من غيرِ دعوى منه للاجتهادِ؛ بل بمنزلةِ المجتهدِ في أعيانِ المفتينَ والأئمَّةِ، وإذا ترجَّح عندَه أن أحدَهما أعلمُ قلَّده، ولا شكَّ أن معرفةَ الحكمِ بدليلِه أيسَرُ وأسلمُ عن الجهلِ والهوى، فإذا جُوِّز للرجلِ أن يقلِّدَ الشخصَ فيما يقولُه لاعتقادِه أنه أعلمُ؛ فلأَنْ يُجوزَ له أن يقلِّدَ صاحبَ القولِ الذي تبيَّنَ له رُجْحانُ قولِه بالأدلةِ الشرعيةِ أَوْلى وأَحْرى.

وقد قال بعضُ أهلِ الكلامِ: يجبُ على كلِّ أحدٍ أن يجتهدَ في كلِّ مسألةٍ تنزلُ به، ولا يقلدَ أحدًا من الأئمَّةِ، وهذا قولٌ ضعيفٌ خطأٌ،


(١) جاء قوله: (ونهى العلماءُ عن اتباعِ) إلى هنا في الأصل تصحيحًا دون الإشارة إلى موطنها، وقد جاءت في النسخ الخطية الأخرى بعد قوله: (ولا يلتزمَ مذهبًا بعينِه فيما يوجبُه ويحرمُه)، وكونها في هذا الموطن أقرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>