للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن لم يحبَّ ما أحبَّه اللهُ، وهو المعروفُ، ويُبغِضْ ما أبغَضَه اللهُ، وهو المُنكَرُ؛ لم يكُنْ مؤمنًا، فلهذا لم يكُنْ وراءَ ذلك حبةُ خَرْدلٍ من إيمانٍ، ولا يتركُ إنكارَ جميعِ المُنكَراتِ بالقلبِ إلا مَن يكونُ كافرًا؛ وهو الذي مات قلبُه، كما قال بعضُ السلفِ لما سُئِلَ عن ميتِ الأحياءِ في قولِهم:

ليس مَن ماتَ فاسْتراحَ بِمَيْتٍ … إنَّما المَيْتُ مَيِّتُ الأحياءِ

فقال: «هو الذي لا يعرفُ معروفًا، ولا يُنكِرُ منكرًا» (١)؛ لكن من الناسِ مَن قد يُنكِرُ بعضَ الأمورِ دونَ بعضٍ، فيكونُ في قلبِه إيمانٌ ونفاقٌ، كما ذكر ذلك من ذكَره من السَّلَفِ؛ حيثُ قالوا: (القلوبُ أربعةٌ: قلبٌ أجرَدُ، فيه سِراجٌ يزهرُ، فذلك قلبُ المؤمنِ، وقلبٌ أغلَفُ؛ فهو قلبُ الكافرِ، وقلبٌ منكوسٌ؛ فذلك قلبُ المنافق، وقلبٌ فيه مادتانِ؛ مادةٌ تُمِدُّه بالإيمان، ومادةٌ تُمِدُّه بالنفاق، فذلك رجلٌ خلطَ عملًا صالحًا وآخَرَ سيئًا) (٢).

وفي الجملةِ؛ فالأمرُ بالمعروفِ والنَّهْيُ عن المنكرِ فرضُ كفايةٍ، فإذا غلَب على الظنِّ أن غيرَه لا يقومُ به؛ تعيَّنَ عليه، ووجَب عليه ما يقدرُ عليه من ذلك، فإن ترَكَه كان عاصيًا للهِ ورسولِه، وقد يكونُ فاسقًا، وقد يكونُ كافرًا.


(١) رواه البيهقي في الشعب (١٠١٨٨)، من قول حذيفة رضي الله عنه.
والبيت لعدي بن رعلاء الغساني، شاعر جاهلي. ينظر: الأصمعيات ص ١٥٢.
(٢) نسبه شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى ٧/ ٣٠٤ لحذيفة رضي الله عنه، وقد رواه عنه ابن أبي شيبة (٣٠٤٠٤)، ورواه أحمد (١١١٢٩) مرفوعاً من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>