للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أصحابنا من جعل المعارف مجموعة تصديقا واحدا، وهي المعرفة بالله تعالى وصفاته ورسوله، وبأن دين الإسلام حق. قال: وهذه الجملة تصديق واحد، هذا ما ذكره أبو القاسم الاسفراييني" (١).

قال شيخ الإسلام: "قلت: ليس المقصود هنا بيان ما ذكروه من قول الجهمية والمرجئة في الإيمان، وما في ذلك من التناقض، حيث جعله التصديق الذي في القلب، ثم سلبه عمن ترك النطق عنادا.

وأن عنده كل ما سمي كفرا؛ فلأنه مستلزم لعدم هذا التصديق.

ولكن دلالته على العدم تعلم تارة بالعقل، وتارة بالشرع؛ لأن ما يقول بالقلب من الاستكبار على الله، والبغض له ولرسوله، ونحو ذلك يكون هو في نفسه كفرا.

وما ذكروه من التصديق الخاص الذي وصفوه، وهو تصديق بأصول الكلام الذي وضعوه. وإنما الغرض أنهم يجعلون التصديق هو نفس المعرفة، كما في كلام هذا وغيره، وكما ذكروه عن أبي الحسن، وغايتهم إذا لم يجعلوه مستلزما للمعرفة أن يجعلوه مستلزما لها" (٢).

سابعاً: قال الأنصاري شارحا رأي أبي إسحاق الاسفراييني:

"رأيت في تصانيفه - يعني أبا إسحاق الاسفراييني - أن المؤمن إنما يكون مؤمنا حقا إذا حقق إيمانه بالأعمال الصالحة، كما أن العالم إنما يكون عالما حقا إذا عمل بما علم.

واستشهد بقول الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا إلى قوله: أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال: ٢ - ٤].

وقال الأستاذ أبو إسحاق في المختصر له: حقيقة الإيمان في اللغة العبارة.

قال - يعني أبا إسحاق -: وتحقيق المعرفة تحصيل ما قدمناه من المسائل في هذا الكتاب وتحقيقه.

قلت - القائل الأنصاري -: أراد بالكتاب هو المختصر، وأشار بما قدمه فيه إلى جملة ما قدمه من قواعد العقائد.

وقال في هذا الكتاب: الإيمان هو: المعرفة، واعتقاد الإقرار عند الحاجة، أو مام يقوم مقام الإقرار.

وقال في كتاب الأسماء والصفات: واتفقوا على أن ما يستحق به المكلف اسم الإيمان في الشريعة أوصاف كثيرة، وعقائد مختلفة، وإن اختلفوا فيها على تفصيل ذكرناه.

واختلفوا في إضافة ما لا يدخل في جملة التصديق إليه لصحة الاسم، فمنها: ترك قتل الرسول، وترك تعظيمه، وترك تعظيم الأصنام، فهذا من التروك.

ومن الأفعال: نصرة الرسول، والذب عنه.

فقالوا: إن جميعه مضاف إلى التصديق شرعا. وقال آخرون: إنه من الكبائر، لا يخرج المرء بالمخالفة فيه عن الإيمان" (٣).

يقول شيخ الإسلام معلقا على هذا:"قلت: وهذان القولان ليسا قول جهم، لكن من قال ذلك، فقد اعترف بأنه ليس مجرد تصديق القلب، وليس هو شيئا واحدا، وقال: إن الشرع تصرف فيه، وهذا يهدم أصلهم، ولهذا كان حذاق هؤلاء، كجهم، والصالحي، وأبي الحسن, والقاضي أبي بكر، على أنه لا يزول عنه اسم الإيمان إلا بزوال العلم من قلبه" (٤).


(١) ((التسعينية)) (٢/ ٦٥٥ - ٦٥٧)؛ وهو في: ((شرح الإرشاد)) (٢٧٩/أ)؛ وانظر: ((التسعينية)) (٢/ ٦٤٧).
(٢) ((التسعينية)) (٢/ ٦٥٧ - ٦٥٨).
(٣) ((التسعينية)) (٢/ ٦٥٨ - ٦٥٩)؛ وانظر: ((الإيمان)) (ص١٣٩) ((الفتاوى)) (٧/ ١٤٤ - ١٤٥)؛ وهو في: ((شرح الإرشاد)) (٢٧٩/ أ – ب).
(٤) ((الإيمان)) (ص١٣٩) ((الفتاوى)) (٧/ ١٤٥)؛ (ص١٤٠ ٩؛ و ((التسعينية)) (٢/ ٦٥٨ - ٦٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>