للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا يكونون قد شكوا في عدالة علي وطلحة والزبير مع شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء الثلاثة بالجنة ومع دخولهم في بيعة الرضوان وفي جملة الذين قال الله تعالى فيهم: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح:١٨]. وتقدم عمرو بن عبيد خطوة أخرى في تفسيق أصحاب الجمل، فقطع بفسق الطرفين المتحاربين جميعا، وقال: (لا أقبل شهادة الجماعة منهم سواء كانوا من أحد الفريقين أو كان بعضهم من حزب علي وبعضهم من حزب الجمل) (١) وبلغ به الأمر في امتهانهم إلى القول: لو شهد عندي علي وطلحة والزبير وعثمان على شراك (٢) نعل ما أجزت شهادتهم (٣) وهذا منه متساوق مع ما جبل عليه من كراهتهم وشتمهم (٤).أما إبراهيم النظام وبشر بن المعتمر وبعض المعتزلة، فإنهم صوبوا علياً في حروبه وخطأوا من قاتله، فنسبوا طلحة والزبير وعائشة ومعاوية إلى الخطأ (٥) وانتفاء العدالة عنهما. وقولهم هذا لا شك باطل مرذول ومردود، فقد قال الله تعالى: وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:٩] فسماهم مؤمنين مع الاقتتال (٦).وعديدون هم الصحابة الذين ألهبتهم ألسنة المعتزلة وأقلامهم بالقدح والتجريح فهذا أبو بكر الصديق ثاني اثنين إذ هما في الغار، وأول من أسلم من الرجال، وصديق الرسول وحبيبه ينال منه النظام فيتهمه بالتضارب في أقواله، وذلك حين امتنع عن القول في شيء من متشابه القرآن الذي لا يعلم تأويله إلا الله فقال لما سئل عنه: (أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني. . إذا أنا قلت في آية من كتاب الله تعالى بغير ما أراد الله) (٧) ثم سئل عن الكلالة فقال: (أقول فيها برأيي، فإن كان صواباً فمن الله وإن كان خطأ فمني هي ما دون الولد والوالد) (٨).وكان عمر هدفاً لتهجمات النظام وطعناته فقد زعم أنه شك يوم الحديبية في دينه وذلك ((لما سأل الرسول: ألسنا على الحق؟ أليسوا على الباطل؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: نعم. قال عمر: فلم نعط الدنية في ديننا؟)) (٩) فغيرة عمر على الدين ورغبته المخلصة في نصرته اعتبرها النظام ترددا وشكا!!


(١) ((الفرق بين الفرق)) (١٢١، ٣٢٠).
(٢) ((القاموس المحيط)) (٣/ ٣٨، ٣١٩).
(٣) ((ميزان الاعتدال)) (٣/ ٢٧٥).
(٤) ((ميزان الاعتدال)) (٣/ ٢٧٤).
(٥) ((مقالات الإسلاميين)) (٢/ ١٤٥).
(٦) ((الباعث الحثيث)) (١٨٢).
(٧) ((تأويل مختلف الحديث)) (٢٠، ٢٤) - ((فضل الاعتزال)) (١٤٧) – ((ضحى الاسلام)) (٣/ ٨٨ – ٨٩) والأثر رواه ابن أبي شيبة ٦/ ١٣٦ قال ابن كثير في ((التفسير)) (٨/ ٣٤٨): منقطع.
(٨) ((الفرق بين الفرق)) (١٤٧) - ((ملل الشهرستاني)) (١/ ٥٧٩) والأثر أخرجه الدارمي (٢٩٧٢)، والطبري (٨/ ٥٣) قال الحافظ في ((التلخيص)) (٣/ ١٠٧٧): رجاله ثقات إلا أنه منقطع، ورواه ابن أبي حاتم بإسناده صحيح، عن ابن عباس عن عمر قوله.
(٩) رواه البخاري (٢٧٣١)، ومسلم (١٧٨٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>