للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك أن طعنهم وتنقصهم لا يعدو كونه هذيانا بلا دليل إلا مجرد (رأي فاسد عن ذهن بارد، وهوى متبع، وهو أقل من أن يرد والبرهان على خلافه أظهر وأشهر: مما علم من امتثالهم أوامره بعده عليه الصلاة والسلام، وفتحهم الأقاليم والآفاق، وتبليغهم عنه الكتاب والسنة، وهدايتهم الناس إلى طريق الجنة ومواظبتهم على الصلوات والزكوات وأنواع القربات في سائر الأحيان والأوقات مع الشجاعة والبراعة والكرم والإيثار والأخلاق الجميلة التي لم تكن في أمة من الأمم المتقدمة ولا يكون أحد بعدهم مثلهم في ذلك، فرضي الله عنهم أجمعين) (١).

ب – إنكارهم للحديث المتواتر:

يعتبر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الأصل الثاني للتشريع الإسلامي بإجماع علماء الأمة الإسلامية، وتنقسم السنة باعتبار عدد رواتها إلى متواتر وآحاد. وعرف علماء المصلطح المتواتر بقولهم (هو ما رواه جمع كثير عن جمع كثير يحيل العقل تواطؤهم على الكذب عادة أو صدوره منهم اتفاقا، وأن يكون مستند انتهائهم الحس ويصيب خبرهم إفادة العلم بنفسه لسامعه) (٢).وعرفه أبو عمر يوسف بن عبد البر بأنه (إجماع تنقله الكافة عن الكافة. وهو من الحجج القاطعة للأعذار إذا لم يوجد هناك خلاف، ومن رد إجماعهم، فقد رد نصا من نصوص الله يجب استتابته عليه، وإراقة دمه إن لم يتب لخروجه مما أجمع عليه المسلمون، وسلوكه غير سبيل جميعهم) (٣) وإن لم ينعقد الإجماع على تواتره، بل وقع الخلاف فيه، يكون منكره من الفاسقين (٤).

ودرج المعتزلة على مخالفة إجماع الأمة على إفادة المتواتر القطع: وذهب النظام إلى جواز وقوع الكذب في الخبر المتواتر رغم خروج ناقليه عند سامع الخبر عن الحصر (٥) بناء على ما يعتقده من أن الحجة العقلية جديرة وقادرة على نسخ الأخبار (٦) ولا يستغرب إنكاره للمتواتر ما دام ينكر حجية الإجماع كما سنرى ويُجَوَّز اجتماع الأمة على الضلالة (٧).ويرى أبو الهذيل أن (الحجة لا تقوم فيما غاب عن الحواس من آيات الأنبياء عليهم السلام وفيما سواها، إلا بخبر عشرين فيهم واحد من أهل الجنة أو أكثر، ولا تخلو الأرض عن جماعة هم أولياء الله معصومون لا يكذبون، ولا يرتكبون الكبائر، فهم الحجة، لا المتواتر، إذ يجوز أن يكذب جماعة ممن لا يحصون عددا إذا لم يكونوا أولياء الله ولم يكن فيهم واحد معصوم) (٨).

وفي إنكارهم للمتواتر واشتراطهم – لثبوت الخبر – أن يكون أحد رواته من أهل الجنة، تعطيل للأخبار الواردة في الأحكام الشرعية وبذلك ينقصون من الأوامر والنواهي ويتحللون من الشريعة تماما.


(١) ((الباعث الحثيث)) (١٨٢).
(٢) ((محاضرات في علوم الحديث)) (٢/ ٧ وما بعدها).
(٣) ((جامع بيان العلم وفضله)) (٢/ ٤١).
(٤) ((محاضرات في علوم الحديث)) (٢/ ٢٥).
(٥) ((الفرق بين الفرق)) (١٤٣).
(٦) ((تأويل مختلف الحديث)) (٤٣).
(٧) ((الفرق بين الفرق)) (٣٢٨).
(٨) ((الفرق بين الفرق)) (١٢٨) - ((ملل الشهرستاني)) (١/ ٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>