للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل ويوضح لنا انقطاع الصلة بينهما أنا لا نرى للإمام كلمة في رثاء أستاذه" (١).ونهج الأستاذ الإمام بعد عودته سبيل الإصلاح التعليمي وازداد كراهته للسياسة شدة وغمز في طريقة أستاذه بتخطئته أذكياء المسلمين الذين يريدون خدمة الإسلام من طريق السياسة (٢) وبلغ كرهه للسياسة أوجه حين قال "أعوذ بالله من السياسة ومن لفظ السياسة ومن معنى السياسة ومن كل حرف يلفظ من كلمة السياسة ومن كل خيال ببالي من السياسة ومن كل أرض تذكر فيها السياسة ومن كل شخص يتكلم أو يتعلم أو يجن أو يعقل في السياسة ومن ساس ويسوس وسائس ومسوس" (٣) وليس بعد هذا كره للسياسة. بقي أن نقول هنا أنه ترك السياسة ولم تتركه بل استغلته واتخذته مطية لها وخداماً للإنجليز من حيث يدري أو من حيث لا يدري حيث يقول اللورد كرومر: "أن أهميته السياسية ترجع إلى أنه يقوم بتقريب الهوة التي تفصل بين الغرب وبين المسلمين وأنه هو وتلاميذ مدرسته خليقون بأن يقدم لهم كل ما يمكن من العون والتشجيع فهم الحلفاء الطبيعيون للمصلح الأوروبي" (٤).

المصلح الصحفي: شارك الإمام محمد عبده في الصحافة فبدأ الكتابة في (الأهرام) ثم كتب في (التجارة) وفي مصر بإيماء من أستاذه الأفغاني (٥) الذي ساهم في إنشائهما وكانتا مع غيرهما من المجلات كـ (مرآة الشرق) طوع إشارة الأفغاني (٦) ثم وبعد نفي السيد والعفو عن الإمام بعد عزله عن التدريس أسند إليه منصب التحرير لجريدة (الوقائع المصرية) وهي الجريدة الرسمية وقد أرادوا بهذا عزله عن الإصلاح والتعليم ولكنه قلب الموازين والمقاييس فجعلها منبراً لبث أفكاره وآرائه بعد أن عين رئيساً للتحرير فاختار لها محررين مهرة ووضع لها لائحة أنفذها رياض باشا وكان من أحكامها أن جميع الإدارات الحكومية مكلفة أن تكتب للجريدة بما عملت فأتمت وما شرعت فيه ولم تتمه وكذلك المحاكم وأن للجريدة الحق في نقد الأعمال والمكتوبات الرسمية والمراقبة على الجرائد العامة والتحقيق فيما تنشره من نقد فإن كان حقاً وجب عقاب المذنب وإن كان كذباً أنذر مدير الجريدة فإن تكرر ثلاثاً فلها منع إصدارها البتة أو إلى أجل ومن حقها أن يجعل فيها قسم غير رسمي ينشر فيه ما يرى نافعاً من المقالات الأدبية (٧) فكان لها مكانة كبيرة في بث أفكاره ووقعت الثورة العرابية ونفي الشيخ، وأنشأ مع الأفغاني (العروة الوثقى) وكانت العبارة فيها كما قلنا سابقاً عبارته والفكرة فكرة الأفغاني وكانت لها مكانة في الكفاح ضد الاستعمار الإنجليزي.

وعاد إلى سوريا وكان له مشاركة في الصحف السورية كجريدة (ثمرات الفنون البيروتية) وبعد عودته إلى مصر استشاره تلميذه السيد رشيد رضا في إصدار مجلة فأذن له وشارك في إنشائها واختار لها اسم (المنار) ووجه صاحبها إلى بعض الأمور وكانت تنشر دروسه وأخباره وتفسيره للقرآن الكريم.

المصلح والتقريب بين الأديان:

لا شك أن اليهودية العالمية "الصهيونية" لا تألوا جهدا في سبيل تثبيت أركانها وتوطيد قوائمها ولا تترك سبيلاً لتحقيق ذلك إلا انتهجته.

ومهما كان من تناقض بين هذه المبادئ والمناهج فإنها تلتقي في النهاية عند خدمة الصهيونية العالمية.


(١) ((جمال الدين الأفغاني)) عبدالرحمن الرافعي (ص ١٣٢).
(٢) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) (ص ٤٢٥) الجزء الأول.
(٣) ((الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية)) محمد عبده (ص ١١١).
(٤) ( Modern Egypt),: Cromer (p. ١٨٠)
(٥) (( تاريخ الأستاذ الإمام)) (١/ ٤٥).
(٦) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) (١/ ٤٧).
(٧) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) للسيد محمد رشيد رضا (١/ ١٠٠ وما بعدها).

<<  <  ج: ص:  >  >>