للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهاتان الفرقتان منكرتان لعدد الأئمة وتعيين أشخاصهم. ومُنكر الإمامة كمُنكر النبوة كافر. ومع هذا يروي علماء الشيعة عنهم في صحاحهم. ومنهم من لم يعلم إمام وقته وقضى عمره في التردّد والتحيّر، فدخل في هذا الوعيد "من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية" كالحسن بن سماعة بن مهران, وابن فضّال وعمرو بن سعيد وغيرهم من رواة الأخبار.

ومنهم من اخترع الكذب وأصرّ على ذلك كأبي عمرو بن خرقة البصري. ومنهم من طرده الإمام جعفر الصادق عن مجلسه ثم لم يُجوّز له مجيئه إليه كابن مسكان.

ومنهم من أقرّ بكذبه كأبي بصير. ومنهم من كان من البدائية الغالية كدارم بن الحكم, وزياد بن الصلت, وابن هلال الجهمي, وزرارة بن سالم. ومنهم من كان يكذب بعضهم بعضاً في الرواية كالهشامين وصاحب الطاق والميثمي. واعلم أن جميع فرق الشيعة يدّعون أخذ علومهم من أهل البيت، وتنسب كل فرقة منهم إلى إمام، ويروون عنهم أصول مذهبهم وفروعه، ومع ذلك يُكذّب بعضهم بعضاً، ويُضلّل أحدهم الآخر مع ما بينهم من التناقض في الاعتقادات ولاسيما في الإمامة، فذلك أوضح دليل وأقوى برهان على كذب تلك الفرق كلها، وذلك لأن الروايات المختلفة والأخبار المتناقضة لا يمكن ورودها من بيت واحد وإلا يلزم كذب بعضهم، وقد قال الله تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب: ٣٣] وقد علم أيضاً من التواريخ وغيرها أن أهل البيت ولا سيما الأئمة الأطهار من خيار خلق الله تعالى بعد النبيين (١) وأفضل سائر عباده المخلصين.

والمقتفين لآثار جدهم سيد المرسلين صلَّى الله عليه وسلَّم، فلا يمكن صدور الكذب عنهم، فعلم أنهم بريئون مما ترويه عنهم تلك الفرق المضلة بعضهم بعضاً، بل قد وضعتها كل فرقة من هذه الفرق ترويجاً لمذهبهم، ولذا وقف فيها التخالف. وأما الاختلاف الواقع عند أهل السنة فليس كذلك لوجهين: الأول أنه اختلاف اجتهادي، فإنهم يعلمون من زمن الصحابة إلى زمن الفقهاء الأربعة أن كل عالم مجتهد، ويجوز للمجتهد العمل برأيه المستنبط من دلائل الشرع فيما ليس فيه نص. واختلاف الآراء طبيعي لنوع الإنسان، وليس ذلك اختلاف الرواية حتى يدل على الكذب والافتراء (٢).


(١) لا يمكننا التسليم بهذا القول على إطلاقه، فالصدّيق ثم الفاروق ثم ذو النورين ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم جميعاً بإجماع الأمة أفضل الخلق بعد نبينا صلَّى الله عليه وسلَّم، وهل يمكننا تفضيل خرافة السرداب عند الرافضة أو من قبله عدا علي والحسنين رضي الله عنهم جميعاً على المهاجرين والأنصار؟. ونحن لا ننتقص من قدر آل البيت ولكن ليس للعاطفة سبيل في عقيدتنا وإسلامنا رضي من رضي وسخط من سخط، ولا نستطيع من أجل سواد عيون الرافضة أن ننتقص من أسلافنا وقدوتنا لنُرضي الرافضة، ونحن نعلم وكافة المطلعين على عقيدة الرافضة أن الولاء المزعوم لأهل البيت ليس بولاء نابع من الإسلام ولكنه ستار يتخذونه للكيد للإسلام وأهله، وهل أوضح من تكفيرهم للأمة واستحلال دمائهم وأعراضهم وأموالهم.
(٢) انظر كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ((رفع الملام عن الأئمة الأعلام)).

<<  <  ج: ص:  >  >>