للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أدلة ذلك أن الله تعالى لما نفي المثل عن نفسه بقوله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: ١١]، والسمي بقوله هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم: ٦٥]، والند بقوله فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً [البقرة: ٢٢]، والكفو بقوله وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص: ٤]، والشريك والعديل والمساوي بقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [يونس: ١٨]، ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ [الأنعام: ١]، إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ [الشعراء: ٩٧ - ٩٨]، فلا يخلو أما أن يكون النفي من ذلك مختصا بالمماثل من كل وجه، وهو المكافئ له من كل وجه فقط والمساوي والمعادل والمكافئ له من كل وجه، أو يكون النفي عاما في المماثل ولو من بعض الوجوه، والمكافئ ولو من بعض الوجوه، ولا يجوز أن يكون النفي مختصا بالقسم الأول لأن هذا لم يعتقده أحد من البشر، وهو سبحانه ذم ونهى عما هو موجود في البشر، ولأن النبي –صلى الله عليه وسلم- ((قال له رجل ما شاء وشئت. فقال: أجعلتني لله ندا، بل ما شاء الله وحده)) (١)، فثبت أن هذه الأسماء المنفية تعم المثل والكفو والند والشريك والعديل ولو من بعض الوجوه، وهذا هو الحق؛ وذلك لأن المخلوقات وإن كان فيها شبه من بعض الوجوه في مثل معنى الوجود والحي والعليم والقدير، فليس مماثلة بوجه من الوجوه ولا مكافئة، بل هو سبحانه له المثل الأعلى في كل ما يثبت له ولغيره، ولما ينفي عنه وعن غيره، لا يماثله غيره في إثبات شيء ولا في نفيه، بل المثبت له من الصفات الوجودية المختصة بالله، التي تعجز عقول البشر عن معرفتها، وألسنتهم عن صفتها ما لا يعلمه إلا الله مما لا نسبة إلى ما علموه من الأمر المشتبه المشترك، إليه. والمنفي عنه لابد أن يستلزم وصفا ثبوتيا كما قررنا هذا في غير هذا الموضع (٢)، ومنافاته لذلك المنفي وبعده عنه، ومنافاة صفاته الوجودية، له فيه من الاختصاص الذي لا يشركه فيه أحد ما لا يعلمه أيضا إلا هو، بخلاف لفظ التشبيه، فإنه يقال على ما يشبه غيره ولو من بعض الوجوه البعيدة، ومما يجب القول به شرعا وعقلا بالاتفاق، ولهذا (لما) عرف الأئمة ذلك، وعرفوا حقيقة قول الجهمية، وأن نفيهم لذلك من كل وجه مستلزم لتعطيل الصانع وجحوده، كانوا يبينون ما في كلامهم من النفاق والتعطيل، ويمتنعون عن إطلاق لفظهم العليل لما فهموه من مقصودهم، وإن لم يفهمه أهل الجهل والتضليل" (٣).

ومع أن التشبيه لم يرد نفيه في الكتاب والسنة إلا أن السلف رحمهم الله كانوا ينظرون إلى المعاني لا إلى الألفاظ، ولذلك لما وجدت بعض الفئات التي بالغت في الإثبات فشبهت الله بخلقه، - وسموا مشبهة – بادر السلف على ذم المشبهة وقرنوا الذم لهم بذم المعطلة، ولم يمنع السلف من هذا ما وصفهم به أعداؤهم النفاة من أن إثباتهم للصفات يجعلهم مشبهة، لأن مذهبهم في الصفات وسط بين تعطيل هؤلاء وتشبيه أولئك.


(١) رواه النسائي في الكبرى (١٠٨٢٥) وأحمد (١/ ٢٢٤ (١٩٦٤) من حديث ابن عباس قال ابن القيم في ((الجواب الكافي)) (ص ١٠٢) ثابت وصحح إسناده أحمد شاكر في ((المسند)) (٣/ ٢٩٦) وحسن إسناده الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) ١/ ٢٦٦.
(٢) انظر مثلاً: ((التدمرية)) – القاعدة الأولى – (ص: ٧٥) وما بعدها. ت السعوي.
(٣) ((نقض التأسيس)) – مخطوط – (٣/ ٢٥٨ - ٢٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>