للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذه الرسالة أهمية خاصة فيما يتعلق بتأييد الأخبار المروية في كتب المؤرخين عن أفعال الحاكم الغريبة، إذ فيها تأييد لها وتوكيد، ودليل قاطع على أن هؤلاء المؤرخين لم يفتروا شيئًا ولم ينقلوا إشاعات كاذبة) (١).

وفيما يلي نص هذه الرسالة: (الحمد لمولانا وحده، وشدة سلطانه، توكلت على مولانا الباري العلام العلي الأعلى، حاكم الحكام، من لا يدخل في الخواطر والأوهام، جل ذكره عن وصف الواصفين وإدراك الأنام. بسم الله الرحمن الرحيم، صفات عبده الإِمام، الحمد والشكر لمولانا – جل ذكره – وبه أستعين في الدين والدنيا وإليه المعاد، الذي يحي ويميت، وهو الحي الذي لا يموت، الذي هو في السماء عال، وفي الأرض متعال، حاكمًا، عليه توكلت، وبه أستعين، وإليه المصير، وهو المعين، وصلوات مولانا جل ذكره وسلامه على الذي اصطفاه من خلقه واختاره من عبيده، وجعلهم الوارثين لديار أعدائهم بقوته وسلطانه، الحاكم، القادر، العزيز القاهر، وهو على كل شيء قدير. أما بعد، معاشر الإخوان الموحدين، أعانكم المولى على طاعته، إنه وصل إليّ من بعض الإِخوان الموحدين – كثر المولى عددهم وزكى أعمالهم، وحسن نياتهم – رقعة يذكرون فيها ما يتكلم به المارقون من الدين، الجاحدون لحقائق التنزيه، ويطلقون ألسنتهم بما يشاكل أفعاله الردية، وما تميل إليه أديانهم الدنية – فيما يظهر لهم من أفعال مولانا – جل ذكره – ونطقه، وما يجري قدامه من الأفعال التي فيها حكمة بالغة شتى فيما تغني النذر (٢)، وتمييز العالم الغبي الذين من أعمالهم الهزل، وأقوال فيها صعوبة وعدل، ولم يعرفوا بأن أفعال مولانا – جل ذكره – كلها حكمة بالغة، جدًا كانت أم هزلاً، يخرج حكمة ويظهرها بعد حين، ولو تدبروا ما سمعوه من الأخبار المأثورة عن جعفر بن محمد بن علي بن عبد مناف بن عبد المطلب (٣): (إياكم الشرك بالله والجحود له، بما يختلج في قلوبكم من الشك في أفعاله كيفما كانت، ولا تنكروا على الإِمام فعله، ولو رأيتموه راكبًا قصبة، وقد عقد ذيله خلف ثوبه، وهو يلعب مع الصبيان بالكعاب، فإن تحت ذلك حكمة بالغة للعالم وتمييزًا للمظلوم من الظالم).

فإذا كان هذا القول في جعفر بن محمد، وجعفر وآباؤه وأجداده كلهم عبيد لمولانا جل ذكره، فكيف أفعال من لا تدركه الأوهام والخواطر بالكلية، وحكمته اللاهوتية التي هي من رموزات وإشارات لبطلان النواميس، وهلاك الجواميش، وتمييز الطواويس، فلمولانا الحمد على ما أنعم به علينا بعد استحقاق نستحقه عنده، وله الشكر على ما أظهر لنا من قدرته خصوصًا دون سائر العالمين إنعامًا وتفضلاً، ونسأله العفو والمغفرة بما يجري منا من قبائح الأعمال وسوء المقال، ونعوذ به من الشرك والضلال، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وهو العلي المتعال، ولو نظروا إلى أفعال مولانا جلت قدرته بالعين الحقيقية، وتدبروا إشاراته بالنور الشعشعاني، لبانت لهم الألوهية والقدرة الأزلية، والسلطان الأبدية، وتخلصوا من شبكة إبليس وجنوده الغوية، ولتصور لهم ركوب مولانا – جل ذكره – وأفعاله، وعلموا حقيقة المحض في جده وهزله، ووقفوا على مراتب حدوده، وما تدل عليه ظواهر أموره، جل ذكره وعز اسمه ولا معبود سواه.


(١) د. عبد الرحمن بدوي ((مذاهب الإسلاميين)) (٢/ ٧٥٧).
(٢) يشير إلى الآية الكريمة حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ *القمر: ٥ *.
(٣) والملاحظ هنا كيفية إيراده لنسب جعفر، ونسبة علي إلى جده عبد مناف، وسنلاحظ أن جميع رسائله يذكر نسب علي رضي الله عنه بهذا الشكل؟!.

<<  <  ج: ص:  >  >>