للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأول ما أظهر من حكمة ما لم يعرف له في كل عصر وزمان، ودهر وأوان، وهو ما ينكره العامة من أفعال الملوك: من تربية الشعر، ولباس الصوف، وركوب الحمار بسروج غير محلاة لا ذهب ولا فضة. والثلاث خصال معنى واحد في الحقيقة، لأن الشعر دليل على ظواهر التنزيل، والصوف دليل على ظواهر التأويل، والحمير دليل على النطقاء (الأنبياء) (١)، بقوله لمحمد: (يا بني أقم الصلاة وآت الزكاة، وأمر بالمعروف، وانه عن المنكر ... ، إن ذلك من عزم الأمور. ولا تصعر خدك للناس) (٢)، إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا [لإسراء: ٣٧].كل ذلك كان عند ربك محذورا، وانقص من مشيك، واغضض من صوتك، إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) (٣).والعامة (٤) يرون أن هذه الآية حكاية عن لقمان الحكيم لولده، فكذبوا وحرفوا القول، إنما هو قول السابق، وهو سلمان، وإنما سمي الناطق ولده لحد التعليم والمادة، إذ كان سائر النطقاء والأوصياء أولاد السابق المبدع الأول، وهو سلمان، فقال لمحمد:

(أقم الصلاة) إشارة إلى توحيد مولانا جل ذكره، (وآت الزكاة) يعني طهر قلبك لمولانا جل ذكره ولحدوده ودعاته. (وأمر بالمعروف) وهو توحيد مولانا جل ذكره، (وانه عن المنكر) يعني شريعته وما جاء به من الناموس والتكليف، (إن ذلك من عزم الأمور) يعني الحقائق وما فيها من نجاة الأرواح من نطق الناطق، (ولا تصعر خدك للناس) وخده وجه السابق، وتصغيره ستره فضيلته، (ولا تمش في الأرض مرحًا) والمرح هو التقصير واللعب في الدين، والأرض هاهنا هو الجناح الأيمن، والأيمن هو الداعي إلى التوحيد المحض، (إنك لن تخرق الأرض) يعني بذلك، لن تقدر عليك تبطيل دعوة التوحيد، (ولن تبلغ الجبال طولا) والجبال هم الحجج الثلاثة الحرم، ورابعهم: السابق الذي يعبده العالم دون الثلاثة. وأجلهم الحجة العظمى، واسمه في الحقيقة: ذو معة، لأن قلبه وعى التوحيد والقدرة من مولانا جل ذكره بلا واسطة بشرية، (وانقص من مشيك) (٥) يعني اخفض من دعوتك في الظاهر، الذي يمشي في العالم مثل دبيب النملة السوداء على المسح الأسود في الليلة الظلماء، وهو الشرك بذاته.


(١) يطلق حمزة غالب على الأنبياء هذا الاسم؟!.
(٢) * لقمان: ١٧ - ١٨ *، وقد أنقص من الآية الأولى بعد (انه عن المنكر) (واصبر على ما أصابك) وزاد (وآت الزكاة).
(٣) غير أن كلامه هنا يخالف نص القرآن الكريم في سورة لقمان بقوله تعالى: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ *لقمان: ١٧ - ١٩ *.
(٤) إن لفظ العامة عند إطلاقه عند عموم الشيعة يقصد به أهل السنة، ويقابله عندهم عن أنفسهم لفظ الخاصة.
(٥) حرفت الآية الكريمة والأصل وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>