- وإما أن يكون لأمر خارج عن ماهية المنهي عنه، لكنه لازِم له، كبيوع الربا.
فهذه الثلاثة النهي فيها يدل على فسادها إذا فُعِلت؛ إذ لو لم يَقْتَضٍ الفساد لَفاتت حِكمة النهي عنه، وأيضًا فلم تَزَل العلماء تستدل على الفساد بالنهي في الربويات والأنكحة وغيرها شائعًا ذائعًا من غير نكير؛ فكان إجماعًا سكوتيًّا، وسواء ذلك في العبادات والإيقاعات، كإيقاع الطلاق والعتق ونحو ذلك، والمعاملات ونحوها.
نعم، هل يدل على فساد ذلك من جهة الشرع؟ أو وضع اللغة؛ لأن صيغته تدل على عدم المشروعية؟
قولان حكاهما القاضي في "التقريب" وكذا ابن السمعاني، ونقل عن طائفة من الحنفية ثالثًا: أنه يقتضيه من حيث المعنى، لا من حيث اللفظ؛ لأن النهي يدل على قُبح المنهي عنه، وهو مضاد للمشروعية. قال: وهو أَوْلى.
وعلى المختار -وهو الأول- جريتُ في النظم، فقلتُ:(شرعًا) كما جرى عليه ابن الحاجب وغيره؛ إذ ليس في اللغة ما يدل على سَلْب أحكام المنهي عنه، وإنما يستفاد ذلك من الشرع. وأما كونه قبيحًا فإنَا لم نَعلم قُبحه إلا بالشرع.
وقولي:(وَذَا التَّقْيِيدُ) إلى آخِره -إشارة إلى المقابل للأقسام الثلاثة السابقة، وهي أن يكون النهي عنه لا لذاته ولا لجزء داخل فيه ولا لأمر ملازم له، بل لأمر خارج غير لازم، وإنما هو مجاور له فقط، غير متصل به، فلا يقتضي الفساد لا في عبادة ولا في إيقاع ولا في غيرهما؛ ولهذا مَثَّلت بثلاثة أمثلة:
الأول من المعاملات، وهو البيع في وقت النداء للجمعة؛ لقوله تعالى:{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}[الجمعة: ٩]؛ لأنه أمر في معنى النهي، وسبق أن المراد هنا ما هو أَعَم مِن النهي بصيغته وغير صيغته، فالنهي فيه راجع إلى تفويت الجمعة، وليس لِعَيْن البيع ولا لِجُزْئه ولا لِلَازِم له.