أصحها وهو قول الجمهور وعليه الشافعي وأكثر الأصحاب وأحمد والقاضي أبو يوسف وعبد الجبار وأبو الحسين: الجواز. وهو مقتضَى كلام الإمام الرازي وأتباعه كالبيضاوي. قال ابن الحاجب: إنه المختار.
وقال الواحدي في "البسيط": إنه مذهب الشافعي. وعداه إلى سائر الأنبياء. قال: ولا حُجة للمانع في قوله تعالى: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى}[يونس: ١٥]؛ فإنَّ القياسَ على النصوص بالوحي اتِّباعٌ للوحي.
الثاني: وهو قول أبي علي الجبائي وابنه أبي هاشم: امتناع ذلك. وظاهره أنه امتناع شرعي. وشذ قوم فقالوا: يمتنع عقلًا. وحكاه القاضي كما في "التلخيص" لإمام الحرمين.
والثالث: حكاه في "المحصول": إنه يجوز فيما يتعلق بالحروب دُون غيرها.
الرابع: ونقله في "المحصول" أيضًا عن أكثر المحققين: التوقف في الأقوال الثلاثة.
دليل المرجَّح: قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ}[الحشر: ٢]، وهو مِن أعظم الناس بصيرة، بل هو سيد أُولي الأبصار؛ فيكون مأمورًا بالقياس.
وأيضًا: فالعمل بالاجتهاد أَشَق على النفس لأجْل بذل الوسع؛ فيكون أكثر ثوابًا، فلا يكون ذلك حاصلًا لبعض الأُمة وهو - صلى الله عليه وسلم - لا يحصل له.
ولا حُجة للمانع في نحو: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٤ - ٣]؛ لأنه إذا كان مأمورًا به، لم يكن هوى ولم يخرج عن كونه وَحيًا. وسبق عن الواحدي أنه قال: لا حُجة للمانع في: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى}[يونس: ١٥].
وأما تأخيره في الوقائع الجواب أو الحكم انتظارًا للوحي فلا دليل فيه أيضًا على المنع؛ لجواز أن يكون ذلك حتى ييأس مِن النص المغْني عن الاجتهاد لا لامتناع الاجتهاد، أو حتى يجد نضًّا يقيس عليه، أو أنَّ الأمر فيه فسحة وغيره أَهم منه، أو نحو ذلك.