للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

بنفسه؟ أو عقد غرر جُوِّز للحاجة كالإجارة؟

وقول مَن قال: (قد يندب السلَم بأنْ يحتاج إليه في مال الصبي) ضعيف؛ لِكَون ذلك لِأَمر عارضٍ؛ لِكونه مصلحة، لا لخصوص كَوْنه سلَمًا.

وقد تُمَثَّل الرخصة المباحة بما ليس مِن المعاملات، كتعجيل الزكاة، ففي الحديث الترخيص للعباس - رضي الله عنه - في ذلك، رواه أبو داود (١)، ولم يَقُل أَحَد مِن الأصحاب باستحبابها، بل اختلفوا في الجواز، والصحيح: نعم.

ومنهم مَن يُمَثله بالفطر في السَّفَر، وليس بجيد؛ لأنه يستحب لمن يشق عليه الصوم، ويُكْره لِغَيره، فأين استواء الطرفين؟

وقال بعضهم: لم أجد له مثالًا بعد البحث الكثير إلا التيمم عند وجدان الماء بأكثر مِن ثَمن المِثْل، فإنه يُباح له التيمم والوضوء مستويًا، لكن هذا تفريع على كَوْن التيمم رخصة، وفيه أَوْجُه، ثالثها: عند فَقْد الماء عزيمة، وللجراحة رُخصة.

وما سبق مِن الأمثلة كافٍ، ويجري في غير المعاملات والعبادات أيضًا، ففي "البسيط": شَعْر المأكول إذا جُزَّ في حياته رُخصة؛ لمسيس الحاجة إليه في الملابس.

وفي "النهاية": (لبن المأكول طاهر، وذلك عندي في حُكم الرخص؛ فإنَّ الحاجة ماسة إليه، وقد امتنَّ الله تعالى بإحلاله) (٢).

وأمَّا الرخصة التي هي خِلاف الأَوْلى (ولم يتعرض لها أكثر الأصوليين) فكالإفطار في السفر عند عدم التَّضرُّر بالصوم، وهو معنى قولي: (لا يُولَي مشقة الصوم) أَيْ: لا يلحقه


(١) سنن أبي داود (رقم: ١٦٢٤)، سنن الترمذي (٦٧٨)، وغيرهما. وقال الألباني: حسن. (إرواء الغليل: ٨٥٧).
(٢) نهاية المطلب في دراية المذهب (٢/ ٣٠٧ - ٣٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>