ومن هذا قوله تعالى:{لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً}[آل عمران: ١٣٠] فإنه وَرَد على ما كانوا يتعاطونه في الآجال أنَّه إذا حَلَّ الدَّين، يقول للمديون:(إما أن تعطي وإما أن تزيد في الدَّين)؛ فيتضاعف بذلك مضاعفة كثيرة.
وهنا سؤال: وهو أنَّه لمَ جعلوا هنا السؤال والحادثة قرينة صارفة عن القول بضد الحكم في المسكوت ولم يجعلوَا ذلك في ورود العام على سؤال أو حادثة صارفًا له عن عمومه على الأرجح؟ بل لم يُجْروا هنا ما أَجْروه هناك من الخلاف في أن العبرة بعموم اللفظ أو بخصوص السبب وإنْ كان ابن تيمية في "المسودة" حكى عن القاضي أبي يعلى وأصحابهم فيه احتمالين.
وقد يُجاب بأنَّ المفهوم لَمَّا ضَعُف عن المنطوق في الدلالة، اندفع بذلك ونَحْوِه، وقوة اللفظ في العام تخالف ذلك، حتَّى إنَّ الحنفية ادَّعوا أن دلالة العام على كل فردٍ من أفراده قطعية كما سيأتي في موضعه؛ فلَم يندفع بذلك (على الطريقة الراجحة).
قولي:(وَنَحْوِهِ مِنْ مُقْتَضِي) إلى آخِره - إشارة إلى أن احتمال وجود فائدة للتخصيص بالذكر يُحال الأمر عليها حتَّى لا يُعمل بالمفهوم - ليس منحصرًا فيما ذُكِر، بل كل ما وُجِد له فائدة يمكن الإحالة عليها يمتنع العمل به؛ ولهذا ذكر البيضاوي عبارة شاملة للصُّوَر كلها، وهي: أنْ لا تظهر لتخصيص المنطوق بالذِّكْر فائدة غَيْر نَفْي الحكم عن المسكوت (١).
فمِن الفوائد أيضًا: أنْ لا يكون عَهْدٌ، فإنْ كان فهو بمنزلة الاسم اللقب الذي يُحتاج إليه في التعريف، فلا يدل على نَفْي الحكم عمَّا عداه.
ومنها: أن لا يُقْصَد بذكره زيادة الامتنان على المسكوت، كقوله تعالى:{لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا}[النحل: ١٤]، فلا يدل على منع القديد.