للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأقرب ما يقال هنا أن المعنى: إلا أن يشاء الله خذلاننا أو خذلان بعضنا، فيكلنا إلى أنفسنا فنعجز، وقد نقع في الشرك، ولذلك قال بعد هذا: {عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا}.

وقد يقال: إن الاستثناء إنما هو بالنسبة إلى الذين آمنوا مع شعيب ولم يكونوا أنبياء ولا معصومين.

وقد قال جماعة: إن إبليس وهاروت وماروت كانوا ملائكة. وأجابوا عن العصمة بأن الملك معصوم مادام ملكًا، وقد يُحَوِّلُهُ الله عزَّ وجلَّ عن الملكيَّة إلى خَلْقٍ آخر فتزولُ العصمة.

كذا قالوا، وقد يقول مَن زعم أن المنسلخ عن الآيات كان نبيًّا بأنَّ النبيَّ معصومٌ مادام نبيًّا، ثم إن قُدِّر أن الله عزَّ وجلَّ سَلَبَ نبيًّا النبوة زالت العصمة. وقد يجيبون عما يلزم ذلك من عدم الوثوق بإخبار من ثبتت نبوته لاحتمال السَّلْب لو جاز بأن يقولوا: إنْ قُدِّر وقوعُ ذلك فلا بدَّ أن يقيمَ الله عزَّ وجلَّ حجة قاطعة تُعْرَفُ بها الحقيقة.

وبالجملة فهذا قول مرغوب عنه، منفورٌ منه، وإنما المقصود أن عصمة الملائكة عليهم السلام لا تنافي شدَّة خشيتهم لله وخوفهم من عذابه.

وأما الجنُّ والإنس فإنهم حملوا الأمانة، كما يأتي، فكان الابتلاء في حَقِّهِمْ أتمَّ والاختلاف أعمَّ. وإذ كانوا خُلِقُوا للابتلاء، ومن لازم الابتلاء الاختلاف، صَحَّ أن يقال: خُلِقُوا للاختلاف. قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود: ١١٨ - ١١٩].