للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقول: والآيات في هذا المعنى كثيرةٌ، ثم ذكر المعارضات وأجاب عنها، إلى أن قال: «قولهم: إن التقليد عليه الأكثر والسواد الأعظم، قلنا: ذلك لا يدلُّ على أنه أقرب إلى السلامة؛ لأن التقليد في العقائد المضلَّة أكثر من الصحيحة، على ما قال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: ١١٦]، وقال تعالى: {وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص: ٢٤]، وقال عليه السلام: «تفترق أمَّتي ثلاثًا وسبعين فرقةً، واحدةٌ ناجيةٌ، والباقي في النار» (١) ... ) (٢).

أقول: والذي يقع لي: أن القول بالاكتفاء بالتقليد إنما جرى على الألسنة لما لجَّ النزاع بين السلفيِّين والمتكلِّمين، كأنه لما بالغ بعض السلفيِّين فكفَّر مَن يخوض في علم الكلام بالغ بعض المتكلِّمين فزعم أنَّ مَن لا يعرف الكلام فهو مقلِّدٌ؛ ولا إيمان لمقلِّدٍ، فقال بعض السلفيِّين: التقليد كافٍ في الإيمان، يريدون إن كان الاقتصار في النظر على الطريقة التي درج عليها السلف تقليدًا فالتقليد كافٍ في الإيمان، ولم يريدوا أنَّ التقليد الحقيقيَّ يكفي.

فأما حكاية الآمديِّ عن العنبريِّ والحشويَّة والتعليميَّة الجواز


(١) أخرجه ــ بمعناه ــ أبو داود في كتاب السنَّة، بابٌ في شرح السنَّة، ٤/ ١٩٧ - ١٩٨، ح ٤٥٩٦ - ٤٥٩٧. والحاكم في كتاب العلم، «تفترق هذه الأمَّة على ثلاثٍ وسبعين ملَّةً ... »، ١/ ١٢٨، من حديث أبي هريرة ومعاوية رضي الله عنهما. قال الحاكم بعد أن أورد له طرقًا وشواهد: «هذه أسانيد تُقام بها الحجة في تصحيح هذا الحديث». وانظر: السلسلة الصحيحة (٢٠٤).
(٢) إحكام الأحكام ٤/ ٣٠٠ - ٣٠٦. [المؤلف]