للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إنما يقصدون أن تصفو أنفسهم، وتنكشف لهم بعض الحقائق الكونية والمعارف الربانية، رغبة في العلم والمعرفة، [٦٩] فإذا حصلت لهم قوى غريبة لم يأنسوا بها، ولا يلتفتون إلَّا إلى ما يرونه معينًا لهم على مطلوبهم. ولكنَّ كثيرًا من الناس إنما يرتاضون طلبًا لتحصيل القوة الغريبة، ومنهم من يكون نيته أوَّلًا تحصيل المعرفة، ولكن إذا حصلت له القوة الغريبة اغترّ بها وعكف عليها.

وأساس هذه الرياضات عندهم الجوع والسهر والعزوبة والخلوة وقطع الشواغل وجمع الفكر في شيء واحد، وأن لا يأكل روحًا ولا ما خرج من روح، كالبيض، والسمن، واللبن، وغير ذلك، وإتعاب الجسد وأعمال أخرى لها قواعد مخصوصة عندهم كرياضة التنفُّس، فينظِّم الطالب تنفُّسه على كيفية مخصوصة يواظب عليها حتى تصير له عادة. ومنها: أن يوجِّه همته عند استنشاق الهواء إلى أن يمرَّ به على طريق مخصوص يمرُّ على أعضاء مخصوصة، وغير ذلك.

ثم إنهم يزيدون على هذا المقدار أشياء تناسب غرض الطالب وعقيدته، فمن كان غرضه تحصيل المعرفة وتصفية النفس يضيف إلى ذلك المحافظة على الشريعة التي يعتقدها حقًّا، فالصابئة يضيفون تعظيم الكواكب ودعاءَها والتبخير بالبخورات الخاصة وغير ذلك، والوثنيون تعظيمَ الأصنام [٧٠] والعكوف عليها، ونحو ذلك؛ وهكذا كل فريق بحسب اعتقاده.

ومن كان غرضه تحصيل القوة الغريبة فإنه يقتصر على ما يظنه كافيًا في تحصيلها، حتى إن منهم مَنْ يستعجل حصول تلك القوة ويرى أنها لا تحصل له إلا إذا أصلح نيته، ولكنه قد يحصل له مثلها بمعونة الشياطين،