للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يلعب به الشيطان» (١).

وقال الشاطبي: «وقال أبو يزيد البسطامي: لو نظرتم إلى رجل أُعْطِيَ من الكرامات حتى يرتقي في الهواء فلا تغترُّوا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وآداب الشريعة» (٢).

وقال الحافظ ابن حجر في الكلام على غزوة الرجيع من فتح الباري: «ووراء ذلك كله أن الذي استقر عند العامة أن خرق العادة يدلّ على أنّ من وقع له ذلك من أولياء الله تعالى، وهو غلط ممن يقوله؛ فإن الخارق قد يظهر على يد المبطل من ساحرٍ وكاهن وراهب، فيحتاج مَنْ يستدلُّ بذلك على ولاية أولياء الله تعالى إلى فارقٍ، وأولى ما ذكروه أن يُخْتبر حالُ مَنْ وقع له ذلك، فإن كان متمسِّكًا بالأوامر الشرعية كان ذلك علامة ولايته، ومَنْ لا فلا» (٣).

أقول: والتمييز بين الكرامة والابتلاء والغرائب التي قدَّمناها صعب جدًّا، كثيرًا ما يشتبه على من جرت الواقعة على يده فضلًا عن غيره. وأقصى ما يمكن: أن تمتحن تلك الواقعة مع النظر في جميع ما يتعلق بها، وتوزن بالكتاب والسنة، فإن وُجِد فيها مخالفةٌ ما لظاهرٍ من ظواهر الشريعة كان الظاهر أنها ليست بكرامة، وإلا كانت محتملة.

وهذا ــ والله أعلم ــ مراد الجنيد وأبي يزيد. فأما أمرهما بالاعتقاد والاقتداء فإنما ذلك لكون ذلك الرجل عالمًا عاملًا [٧٧] بحسب الظاهر،


(١) نقله ابن حجر ص: ٥٤ وأقرّه في الإعلام [بهامش الزواجر ٢/ ١٦١]. [المؤلف].
(٢) الاعتصام ١/ ١١٣ - ١١٤.
(٣) فتح الباري ٧/ ٢٦٩. [المؤلف]