للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: فلعلَّ للعبادة استعمالين: أحدهما بمعنى الطاعة مطلقًا.

قلت: لم ترد العبادة في الكتاب والسنة وكلام أهل العلم لغير الله تعالى إلا مَنْهِيًّا عنها، ومطلق الطاعة منها المأمور به والمستحبُّ والجائز، وقد مرّ عن الأزهري قوله: فأمّا عبد خدم مولاه فلا يقال: عَبَده.

والحاصل أن قصور تلك العبارة أمر يقينيّ.

وأما العبارة الثانية؛ فالخضوع إن كان هو التذلُّلَ كما هو المعروف فهو غير منهيٍّ عنه مطلقًا، فقد قال تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: ٢٤]، وقال سبحانه: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [المائدة: ٥٤]. وإن كان غيره فما هو؟

وأيضًا فلا يرتاب أحد أن العبد يطيع مولاه خاضعًا له. وقد مرّ (١) عن الأزهري أن طاعة العبد لمولاه لا تسمَّى عبادة.

وزاد بعض الأئمة في هذه العبارة قيد المحبَّة (٢) , ولم يصنع شيئًا؛ فإن العبد قد يطيع مولاه ويخضع له مع محبته إيّاه، وليس هذا بعبادة، والولد مأمور بطاعة والديه والخضوع لهما ومحبتهما, إلى غير ذلك.

وأما العبارة الثالثة ــ وهي المشهورة بين العلماء ــ فمجملة؛ للجهل بالحدِّ الفاصل بين ما يُعَدُّ من الغاية وما لا يُعَدُّ منها.

وأيضًا، فإن أريد بالتذلّل والخضوع ما يظهر للنظر فالأمور المعلوم بأنها


(١) ص ٤٠٢.
(٢) انظر: مجموع الفتاوى ١٥/ ١٦٢، ١٦/ ٢٠٢، وإغاثة اللهفان ٢/ ٨٥٢.