مالك بن نبي وقد مضى على وفاته سبعة عشر عاماً لا يزال يفتقده شبابنا المعاصر في ظلمة الشتات الفكري، ولكننا نرقب في هذه الظلمة أشعة اهتمام وإعجاب نراها في بعض المقالات والدراسات، وإن كانت لم تشكل حتى الآن تياراً فاعلاً في خطى المستقبل.
ففكر بن نبي لا يزال ينادي الجيل من مكان بعيد، لكنه يقترب رويداً رويداً كلما استفحلت في عالمنا الهزيمة. فما كان غريباً على فهم القارئ من طروحات بن نبي في زمن الرومانسية المتفائلة التي ضجّ بها عالمنا منذ الخمسينات، بدا اليوم أقرب إلى إدراك الجيل، الذي أطبقت من حوله الآفاق وبات وجهاً لوجه أمام مخاطر الاجتياح الإسرائيلي، والتخلي العالمي عن قضاياه، في ظل التوافق الدولي.
فبِنْ ني إذا كنا قد جحدناه في حياته أباً يرسم لنا شروط النهضة الفاعلة المستلهمة خطى الحضارات وتعاقبها؛ فإننا وكلما أفلسنا بالشعارات الرائجة في سوق العالم الغربي المعاصر نقترب من ذلك اليوم الذي يثرينا ميراثه بفعالية الإنجاز وسلامة الاتجاه.
هذا الكتاب الذي يضم مجموعة محاضرات نشرت ثلاث منها في كتاب (آفاق جزائرية)، يحتوي على سائر المقدمات والتعليقات التي تضمنها ذلك الكتاب ترجمة (الطيب الشريف)، ثم إنه يحتوي على سائر المقدمات والتعليقات التي تضمنتها الطبعة الفرنسية التي يأتي هذا الكتاب ترجمة لها.
وسوف نشير إلى تعليقات آفاق جزائرية التي نوردها أولاً، ثم نردفها بتعليقات الطبعة الفرنسية بإشارة ط. ف أي الطبعة الفرنسية. وإنني أشكر الدكتور بسام البركة الذي قام بجهد كبير في ترجمة تعليقات الطبعة الفرنسية وساهم في تحقيقها.