للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقد تخلَّى البعضُ عن مشروع كامل في طرابلس، حيث لم يُستكملْ بعدُ حتَّى مجرد تحرير (البرنامج)، والتحقوا (بتونس) لترتيب (شؤونهم الشخصية)، والتفرُّغ لاسْتِتْمام (تشكيلاتهم) قبل أن يضعوا أقدامهم على أرض الوطن في لَبوس المحرِّرين وبادر البعضُ الآخر إلى السَّبْق باجتياز خَطِّ موريس ( Ligne Morice) فركضوا حثيثاً إلى قرية (بومرداس) (١) لمباغتة ما يقدرون عليه من سُلْطَةِ دَوْلَةٍ لم يكن مولدُها سوى مجرد احتمال، أو هي لَمَّا تخرجْ بعدُ من أقْماطِها في جميع الأحوال، دون أيّ اكتراتٍ بما إذا كان هذا السلوك الْمُسْتَغْرَبُ في بابه سوف يؤدِّي إلى قتل الوليد الغَضَّ في مهده! ..

وعندما اشْتَمَّ بعضُ الذئاب أثناءَ مغادرتهم للمقاومة بالأدغال رائحة الوليمة (الزَّرْدَة) تحدَّروا من الجبل إلى المدن لاغتصاب كل ما يقدرون عليه: محطة إرسالط إذاعية هنا، ومَبْنًى إدارياً هناك! ...

وعلى النقيض من ذلك اتَّجه بعضُ الضِّباع في بَزَّةِ (الْحَرْكِيِّين) أو زِيِّ المدنيِّين صوب شعاب الجبل لكي ينحدروا ثانية من هناك في صورة أبطال، بعد أن أَنْسَوْا غيرهم أنهم قد شبعوا حتَّى البِطْنَة طوال سبع سنوات ممَّا نهشوه من لحم الشعب وما امتصُّوه من دمائه! ..

ونحن نعلم بقية القصة، وكيف ألقى الشعبُ بنفسه تحت تأثير قَرَفِه وتقزُّزه، دونما سلاح في قلب الاشتباك (أو الزَّحْمَة) لكي يسدَّ الطريق في وجه عصبَّة الولايات ( Le Wilayisme) .

لقد قيل: إن الْحكم هو التَّبَصُّر. و (الحكومة المؤقَّتة للجمهورية


(١) ( Rocher Noir) ( الصخرة السوداء)، وهو علم القرية بالفرنسيّة، أما الشعب فيسميها (بومرداس). (المترجم).

<<  <   >  >>