ظاهرة فيه فترة طويلة، حيث نجدها حتى بعد صفين في سلوك الأفراد وفي أعمال الحكم أحياناً.
لا شك أن عهد معاوية مثلاً كان، من الوجهة التي تهمنا هنا، عهد تقهقر الروح الديمقراطي الإسلامي.
ولكن إذا لاحظنا أن الطاغية المستبد قد ظهر من جديد في شخص الحاكم، يجب أن نلاحظ أن العبد لم يظهر بعد في شخص المحكوم ما دام متمسكاً بالروح الإسلامي، كما يدل على ذلك تفاصيل كثيرة خاصة بتلك الفترة، كالحوار الغريب الذي نشأ بين أبي ذرٍّ الغفاري ومعاوية، عندما كان هذا الأخير قائماً ببناء قصر الخضراء بدمشق، فكان الصحابي المشهور يؤنب الخليفة تأنيباً شديداً، فيقول له بهذه المناسبة:((فإما أنك تبني هذا القصر بأموال المسلمين من دون حق لك فيها، وإما أن تبنيه من مالك وهو تبذير)) (١)
فهذه الرقابة التي يفرضها الضمير الإسلامي على أعمال الحكم قد استمر أثرها في التاريخ الإسلامي، حتى بعد التقهقر الذي أشرنا إليه، ويمكن تفسير أحداث كبرى في التاريخ الإسلامي كظهور المرابطين والموحدين في الشمال الأفريقي، على أنها الصدى لاحتجاج الضمير الإسلامي ضد الاستبداد.
ويمكن القول أن هذا الصدى لم ينقطع من الأحداث التي عبرت بصورة أم بأخرى عن استمرار الروح الديمقراطي الإسلامي عبر التاريخ قروناً طويلةً، حتى حدث فاصل آخر لا يمكن تحديد تاريخه بالضبط، ولكنه بلا ريب يتفق مع نهاية الحضارة الإسلامية. أي عندما ينتهي الإشعاع، الذي كونه التقويم الأساسي للإنسان، إذ بعدما انتهى أثره في أعمال الحكومة أي في السياسة، قد انتهى أيضاً في سلوك الأفراد أي في الأخلاق.