هذه هي القاعدة العامة التي يجب علينا أن نجعلها دوماً نصب أعيننا، إننا كلما طرحنا مشكلة وعرضنا لها حلاً من الحلول فإن قادة الصراع الفكري يأتون على الفور بما يلفت عنه الأبصار أو ما يزيفه تزييفاً.
وما الحلول التي تعرض علينا في المجال السياسي، مثل البعثية، والبربرية، والإفريقية والشيوعية- تلك الشيوعية التي يرعاها الاستعمار ويسهر على نباتها في مدفآته، وما ذلك الأدب المطنب في المدح والتمجيد لماضينا إلا وسائل إلفات في المجال السياسي أو في المجال الفكري، حتى يلتفت العالم الإسلامي عن أم مشكلاته، ألا وهي مشكلة حضارته، حتى يلفتوه عنها، ويربطوا اهتمامه بمشكلات وهمية، ويلهوه بحلول وهمية، يتجلى عبثها بصورة مفجعة في ظرف من الظروف الخطيرة غداة إفلاس مصقع، وهزيمة شنيعة، وفضيحة مخجلة، مثل غداة ٥ يونيو ١٩٦٧م.
والواقع، أن قضية عمليات الإلفات والتسلية كانت قائمة منذ ما قبل الحرب العالمية الأولى، غير أنها تطرح اليوم والعالم الإسلامي يمر، في هذه الآونة بالذات، بأخطر أزمةٍ في تاريخه، حتى أننا نستطيع القول- إذا ما طرحنا جانباً بعض المظاهر من تطوره- أنه كان قبل أربعين سنة أقرب إلى الحل الرشيد لمشكلته وهو مستعمَر، لأنَّ وحدته الروحية أو الأيديولوجية كانت أمتن منها اليوم فهو الآن، وهو مستقل، كأنما يبتعد عن هدفه لأن وحدته هذه قد تصدعت من عملية التقسيم التي أجريت عليه منذ أربعين سنة.
هذا هو الوضع الحقيقي، إذا ما طرحنا جانباً بعض المظاهر الخادعة- بحيث أننا إذا حكمنا بأن المجتمع الإسلامي ككل يواجه المشكلة نفسها- قد تخلف منذ ربع قرنٍ وتقهقر، فليس في حكمنا أي إجحافٍ بالحقيقة، وإنما الخطأ في هذه النقطة بالذات يعود إلى أننا تعودنا تقدير الأشياء بالمقياس السياسي، ذلك المقياس الذي