للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بحيث تصبح الفكرة لا تحتاج إلى ضمان قيمتها من طرف الأشخاص علاوة على الأشياء، والآية التي تنص على هذا الحدث في منتهى الوضوح، إذا ما لاحظنا أن الفكرة الإسلامية مرتبطة بذات النبي - صلى الله عليه وسلم - الارتباط المعروف، كأنها المجسدة في شخصه في نظر ذلك المجتمع البسيط الذي وجهت إليه الدعوة.

ولكن أراد القرآن الكريم أن تتحرر الآية من هذا القيد، وبالتالي أن يتحرر المجتمع الجديد من هذا النوع من القيود المعطلة لتقدم الفكر والعلم.

ونزلت فعلاً الآية المحرِّرَة:

{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ... ؟} [آل عمران ٣/ ١٤٤].

إن هذه الآية نزلت بمثابة الدفعة التي دفعت المجتمع البدائي الذي نزلت فيه، من عصر (الشيء) والشيئية، إلى عصر الفكر.

وهكذا نرى كل ملامح هذا المجتمع النفسية تتغير منذ نزول (اقرأ) تغيراً يتولد عنه المناخ العقلي الجديد، وبالإضافة إلى ذلك نرى نوعاً من الاختبارات تجري على هذا المناخ لتوضح أكثر ملامحه في الضمير الإسلامي الناشئ عندما يلقي عليه القرآن مثل هذا السؤال: {قُلْ: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ؟} [الزمر ٣٩/ ٩].

إن هذه الآية الواردة في صورة سؤال على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم -، اختبار، وتركيز في الضمير الإسلامي لقيمة العلم، ولفضل رجل العلم على الجاهل في المجتمع الجديد.

والعلم ما هو، في أبسط معانيه، إلا البحث عن الحقيقة في كل ميدانٍ، في الأخلاق، في التشريع، في الاجتماع، في الطب، في الطبيعة إلخ ...

<<  <   >  >>