الذي يمكننا أن نعتبره كافياً لِتَلْبيَة حاجات بلاد متخلِّصة من جميع علامات التخلُّف، ونقص الاستخدام، والأميَّة (أو اللاأبْجَدِيَّة)، ونقص التغذية إلخ ...
فهذا الدخل الذي يمكننا أن ننظر إليه باعتباره العَتَبَة المفضية إلى النموِّ، هو متوسط دخل الفرد في اليابان، حيث يبلغ بها: ٢٠٠ (مئتي) دولار.
والآن ولكي نجعل هذه الأرقام ذات دلالة بالنسبة إلى موضوعنا، فَلْنَقُمْ بتوزيعها على الخريطة الجغرافية، بالطريقة التي توضع على غرارها الأعلام الصغيرة على إحدى خرائط ضُباط أر كان الحرب كعلامات للمواقع الخاصة بكل جيش من الجيوش على حدة، في إحدى جبهات القتال.
ومفهوم أن الأرقام الموزَّعة على هذا النحو، تصوِّر لنا بهده الطريقة المناطقَ المتحادَّة لكلٍّ من النُّموِّ والتخلُّف.
وعندئذ تَتَبَدَّى أمامنا ملاحظة تفرض علينا نفسها: فَحَدَّا هاتين المنطقتين يرتسمان على الخريطة، كحديْن لقارتين متباينتين: تشمل إحداهما جميع البلدان المساهمة في مؤتمر باندونغ على وجه التقريب، أعني المساحة المُناهزة لنصف الكرة الجنوبيِّ، بينما تتضمَّن المساحة الأُخرى رقعةَ البلدان النَّامية التي تشمل بالتقريب سائر منتصف الكرة الشماليِّ (١).
ومن شأن هذه الملاحظة أن تُدْخِلَنا بقدم راسخة إلى صميم موضوعنا، لأن تحديد مكان الوقائع الاقتصادية، يمثِّل في نفس الوقت تحديداً لمكان أسبابها أو
(١) مؤتمر (الشمال- الجنوب) ضمَّ حديثاً الدول المتطورة وتلك التي تتطلع للسير في فلك المشاكل التي يقتضيها نظام اقتصادي عالمي جديد. وهؤلاء المؤتمرون قد وجدوا أنفسهم في كتلتين. وهذا ما تصوره (بن نبي) منذ عشرين عاماً في تحليله العلاقات بين مختلف شعوب العالم المعاصر. [ط. ف].