للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللادينية نفسها، في التركيبة المتآلفة لحضارة ما، وفي تشكيل إرادتها. فهل يتعين علينا أن نستخلص في ذلك أنه يلزمنا أن ننتظر أو نستثير وحي فكرة دينية جديدة، في كل مرة توضع في مواجهتنا مشكلة نهضة؟

لقد حسمت أوروبا حالتها الخاصة منذ بضعة قرون، داخل الإطار المسيحيّ دون ريب، ولكن مع مبادرات في الميدان الفني، والأدبي، والفلسفي، كانت تذهب إلى ما وراء المبدأ الإنجيليّ.

فقد تشكل الفكر الأوروبي المعاصر في جوّ العقلانية ( Rationalisme) الفرنسية، والجماليّة ( Esthétisme) الإيطالية. ومع ذلك ففي كل مرة كانت تنتاب فيها هذا الفكر استثارة أو تحدّ وافد من الخارج، كان يرجع من جديد إلى أصله المسيحيّ كما يبيّن لنا ذلك التصريح الشهير الذي أعلنه (شارل العاشر) على أمم أوروبا غداة احتلال الجزائر.

ولكن حالتنا نحن تمثل حالة شعب استلم عن سلفه السامي ( Sémitique) ميْسِمَ أقوى انطلاقة دينية. ففي أوروبا كانت الحركة الدينية للنهضة حركة مُبْعِدَة عن المركز ( Centrifuge) على وجه العموم؛ ومن ثَمَّ فقد كانت تبتعد عن المسيحية. وتمثل (الماركسية) ضمن اعتبار معين، نتيجة لهذه العملية الإقْصائِيَّة التي أبعدت الفكر الأوروبي عن المركز المسيحيّ؛ وعلى النقيض من ذلك، فإن الحركة الدينية للنهضة الإسلامية تمثل حركة مقرّبة من المركز ( Centripète) ومن أجل تحقيق الشكل الجديد لحضارته، كان المجتمع الإسلامي يبحث بطريقة مُنْبَهِمَة، ولكن في تشبّث لا ينثني منذ قرن من الزمان، عن القبس الديني الضروري لتركيبته الحيوية، التاريخية المتجانسة. ولا يعد عملاً من أعمال الصدفة، ولكن بفعل منطق داخلي آمِر، أن تكون الجهود الذهنية الأولى لنهضة هذا المجتمع قد وجدت تعبيرها المحظوظ والملائم في قليل أو كثير، ضمن أعمال من قبيل (رسالة التوحيد) للشيخ محمد عبده، وأن يكون نفس مجهود الإنهاض

<<  <   >  >>