الدهور؛ من عهد يوسف الصديق عليه الصلاة السلام، واشتد القحط
والوباء سبع سنين متوالية بحيث أكلوا الجيف والميتات، وأفنيت الدواب، وبيع الكلب بخمسة دنانير والهر بثلاثة دنانير، ولم يبق لخليفة مصر سوى ثلاثة أفراس بعد العد الكثير، ونزل الوزير يوما عن بغلته، فغفل الغلام عنها لضعفه من الجوع، فأخذها ثلاثة نفر فذبحوها وأكلوها، فأخذوا فصلبوا وأصبحوا وقد أكلهم الناس، ولم يبق إلا عظامهم. وظهر على رجل يقتل الصبيان والنساء ويبيع لحومهم، ويدفن رءوسهم وأطرافهم فقتل. وبيعت البيضة بدينار، وبلغ الأردب القمح مائة دينار ثم عدم أصلًا، حتى حكى صاحب المرآة أن امرأة خرجت من القاهرة، ومعها مد جوهر، فقالت: من يأخذه بمد قمح؟ فلم يلتفت إليها أحد، وقال بعضهم يهنئ القائم ببغداد:
وقد علم المصري أن جنوده ... سنو يوسف هولا وطاعون عمواس
أقامت به حتى استراب بنفسه ... وأوجس منها خيفة أي إيجاس
وفي سنة اثنتين وستين، زلزلت مصر حتى نفرت إحدى زوايا جامع عمرو. وفيها ضرب صاحب مصر اسم ابنه ولي العهد على الدينار، وسمي الآمري، ومنع التعامل بغيره.
وفي سنة خمس وستين اشتد الغلاء، والوباء بمصر حتى إن أهل البيت كانوا يموتون في ليلة، وحتى إن امرأة أكلت رغيفا بألف دينار، باعت عروضها قيمته ألف دينار، واشترت بها جملة قمح، وحمله الحمال على ظهره فنهبه الناس، فنهبت المرأة مع الناس فصح لها رغيف واحد، وكان السودان يقفون في الأزقة، يصطادون النساء بالكلاليب، فيأكلون لحومهن، واجتازت امرأة بزقاق القناديل، فعلقها السودان بالكلاليب، وقطعوا من عجزها قطعة، وقعدوا يأكلونها وغفلوا عنها، فخرجت من الدار، واستغاثت، فجاء الوالي وكبس الدار، فأخرج منها ألوفًا من القتلى.