للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَتَوَالَى اهتمَامُ بَني العَبّاسِ بِالمَسجِدِ الأَقصَى بَعدَ المَهدِيِّ، مِمّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنزِلَةَ القُدسِ وَالأَقصَى لَم تَتضَاءَل بَعدَ الحُكمِ الأُمَويِّ، فَقد قَامَ الخَلِيفَةُ المَأمُونُ سَنةَ ٢١٦ هـ بِإِصلَاحَاتٍ في قُبةِ الصَّخرَةِ بِإشرَافِ أَخيهِ أَبِي إسحاقَ ـ الخَلِيفَةِ المُعتَصِمِ فِيمَا بَعدُ ـ الذِي كَانَ إِذ ذَاكَ نَائِبَهُ عَلَى بِلَادِ الشَّامِ، وَعَلى يَدِ عَامِلِهِ صَالحِ بنِ يَحيَى، وَقد بَلَغَت التَّرمِيمَاتُ التِي أَجرَاهَا الخَلِيفَةُ المَأمُونُ مِنَ الضَّخَامَةِ حَدًّا دَفعَ بَعضَ أَتبَاعِهِ إِلَى أَن يَعزُوَ البِنَاءَ كُلَّهُ إِلَى هَذَا الخَلِيفَةِ العَبّاسِيِّ (١).

وَفِي مَطلَعِ القَرنِ الرَّابِعِ الهِجرِيِّ أَصلَحت أُمُّ المُقتِدِرِ العَبّاسِيِّ جَانِبًا مِن سَقفِ الصَّخرَةِ، وَأمَرت بِوضعِ أَبوابٍ لِلمَسجِدِ الأَقصَى، وَقَد ذَكرَ المَقدِسِيُّ البِشَارِيُّ ذَلكَ في إِطَارِ وَصفٍ تَفصِيلِيٍّ لَهُ لِلمَسجِدِ (٢).

وَلَعلَّ مِن أَغرَبِ مَا احتَجَّ بِهِ إِسحَاقُ حَسُّونُ لِلتَّدلِيلِ عَلَى انتِقاصِ قِيمَةِ القُدسِ وَالأَقصَى زَمنَ العَباسِيِّينَ مَا ذَكرَهُ مِن أَنَّ العَبَّاسِيِّينَ نَقَلُوا قَرنَي كَبشِ إِبرَاهِيمَ وَتَاجَ كِسرَى مِن المَسجِدِ الأَقصَى إِلَى الكَعبَةِ، وَوجهُ الغَرابَةِ في الأَمرِ أَن يَأخُذَ حَسُّونُ مَأخذَ الجِدِّ وَالتَّسلِيمِ قِصَّةَ وُجُودِ قَرنَي كَبشِ إِبرَاهِيمَ وَتَاجِ كِسرَى في المَسجِدِ الأَقصَى وَبَقَاءَ هَذهِ الآثَارِ في المَسجِدِ حَتَّى نِهَايَةِ الثُّلُثِ الأَوَّلِ مِن القَرنِ الثَّانِي الهِجرِيِّ! وَلَم يَتَساءَل هَذَا البَاحِثُ عن كَيفِيَّةِ نَقلِ قَرنَي هَذَا الكَبشِ المُوغِلِ في القِدَمِ أَصلًا إِلَى المَسجِدِ الأَقصَى، وَكَيفَ ثَبتَ القَرنَانِ


(١) انظر في الترميمات زمن المامون، «معجم البلدان» لياقوت تحقيق وستنفيلد (٤/ ٥٩٧) و: A. L. Tibawi: Jerusalem: Its Place In Islam and Arab History, Beirut, ١٩٦٩, P.١٠.
(٢) انظر: «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم» لشمس الدين أبي عبدا لله محمد بن أحمد بن أبي بكر المقدسي البشاري، ط ٢، ليدن، ١٩٦٧ (ص: ١٦٩)، وانظر كذلك «معجم البلدان» تحقيق وستنفيلد ط. طهران ١٩٦٥ (٤/ ٥٩٧).

<<  <   >  >>