للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَمِما يَنبَغِي إِيرَادُهُ هُنَا، أَنّ بَعضًا مِن مُؤَلِّفِي كُتبِ الفَضَائِلِ ـ وَمِنهُم جَمَالُ الدِّينِ أَبُو مُحمَّدٍ عَبدُ اللهِ بنُ هِشَامٍ الأَنصَارِيُّ، صَاحِبُ مَخطُوطَةِ (تَحصِيلُ الأُنس لِزَائِرِ القُدس)، وَمِن رِجَالِ القَرنِ الثَّامِنِ الهِجرِيِّ ـ أَبَت عُقُولُهُم أَن تَتقَبَّلَ الأَقاوِيلَ وَالأَساطِيرَ غَيرَ المَعقُولَةِ عن القُدسِ وَمِنهَا مَا يَرتَبطُ بِقَرنَي كَبشِ إِسمَاعِيلَ هَذَينِ. وَيَسخَرُ ابنُ هَشامٍ في مُؤلَّفِهِ المَذكُورِ مِن هَذِه الأَقَاوِيلِ وَيقُولُ: «وَمِنهَا سِكّينٌ مُلصَقةٌ بِالقُربِ مِن الصَّخرَةِ، يَزعُمُونَ أَنَّها التِي أرَادَ الخَلِيلُ - عليه السلام - ذَبحَ وَلَدَهُ بِهَا»، ثُمَّ يَقُولُ: «وَأَخبرَنِي مَن كُنتُ أَظُنُّ لَهُ عَقلًا أَنَّ المَسجِدَ وَمَا يَقرُبُ مِنهُ مُسَامِتٌ لِلعَرشِ ... وَكَأنَّهُ تَوهَّمَ بِخَيَالِهِ الفَاسِدِ أَنَّ العَرشَ عِبارَةٌ عن سَرِيرٍ كَسَرِيرِ بَيتِهِ أَو أَكبَرُ مِنهُ تَخيِيلًا!» (١).

أَمَّا القَولُ بِأنَّ الشِّيعَةَ، أَو بَعضَهم، لَم يُضفُوا أَيَّةَ قِيمَةٍ خَاصَّةٍ عَلَى القُدسِ فَيتَناقَضُ مَعَ الوَاقِعِ التَّارِيخِيِّ عَلَى النِّطَاقِ الرَّسمِيِّ وَالشَّعبِيِّ عَلَى السَّوَاءِ لَدَى الشِّيعَةِ. أَمَّا عَلَى النِّطَاقِ الرَّسمِيِّ، فَيكفِي أَن نَذكُرَ مَا أَظهَرَهُ خُلفَاءُ الفَاطِمِيِّينَ مِن اهتمَامٍ بِالمَسجِدِ الأَقصَى وَعِمَارَتِهِ، فَبَعدَ أَن وَقعَ زِلزَالٌ كَبِيرٌ عَامَ ٤٢٤ هـ تَهَدَّمَ بِسبَبِهِ المَسجِدُ الأَقصَى قَامَ الخَلِيفةُ الفَاطِمِيُّ ـ وَهُو شِيعِيٌّ طَبعًا ـ بِإِعَادَةِ بِنَاءِ المَسجِدِ سَنَةَ ٤٢٦ هـ، وَلَا يَزَالُ قِسمٌ مِن بِنَائِه قَائِمًا (٢).

وَيُحدِّثُنَا نَاصِرُ خِسرُو ـ الذِي زَارَ القُدسَ في القَرنِ الخَامِسِ الهِجرِيِّ ـ عن قَنَادِيلَ كَثِيرَةٍ مِن فِضَّةٍ كُتبَ عَليهَا وَزنُهَا، مِمّا أَمَرَ بِصُنعِهِ سُلطَانُ مِصرَ الفَاطِميُّ لِيُعلَّقَ فَوقَ الصَّخرَةِ. وَقَد قَدَّرَ هَذَا السَّائحُ الفَارِسِيُّ وَزنَ الفِضَّةِ


(١) انظر: مخطوطة: «تحصيل الأنس لزائر القدس» (ص: ٦٣، ٦٤).
(٢) انظر: الدوري: «المؤتمر الدولي الثالث لتاريخ بلاد الشام»: فلسطين، ١٩٨٠، بحث على ورق استانسل، (ص: ٢٧).

<<  <   >  >>