للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العدل بين الأنام، فهو في الحقيقة من المجددين الذين يبعثهم الله في رأس كل مئة سنة -كما صح عنه صلى الله عليه وسلم-، فكما أنّ ذلك لا يستلزم ترك السعي وراء طلب العلم والعمل به لتجديد الدين، فكذلك خروج المهدي لا يستلزم التواكل عليه وترك الاستعداد والعمل لإقامة حكم الله في الأرض، بل العكس هو الصواب، فإن المهدي لن يكون أعظم سعياً من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي ظل ثلاثاً وعشرين عاماً وهو يعمل لتوطيد دعائم الإسلام، وإقامة دولته، فماذا عسى أنْ يفعل المهدي لو خرج اليوم فوجد المسلمين شيعاً وأحزاباً، وعلماءهم -إلا القليل منهم- اتخذهم الناس رؤوساً! لما استطاع أن يقيم دولة الإسلام إلا بعد أن يوحد كلمتهم ويجمعهم في صف واحد، وتحت راية واحدة، وهذا -بلا شك- يحتاج إلى زمنٍ مديدٍ اللهُ أعلم به، فالشرع والعقل معاً يقتضيان أن يقوم بهذا الواجب المخلصون من المسلمين، حتى إذا خرج المهدي، لم يكن بحاجة إلا أن يقودهم إلى النصر، وإن لم يخرج فقد قاموا بواجبهم، والله يقول: {وَقُل اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُم ورَسُولُه} [التوبة: ١٠٥] .

ومنهم -وفيهم بعض الخاصة- من علم أنّ ما حكيناه عن العامة أنه خرافة، ولكنه توهم أنها لازمة لعقيدة خروج المهدي فبادر إلى إنكارها، على حد قول من قال: «وداوني بالتي كانت هي الداء» ! وما مثلهم إلا كمثل المعتزلة الذين أنكروا القدر لما رأوا أنّ طائفة من المسلمين استلزموا منه الجبر!! فهم بذلك أبطلوا ما يجب اعتقاده، وما استطاعوا أن يقضوا على الجبر!

وطائفة منهم رأوا أنّ عقيدة المهدي قد استغلت عبر التاريخ الإسلامي استغلالاً سيئاً، فادعاها كثير من المغرضين، أوالمهبولين، وجرت من جراء ذلك فتن مظلمة كان من آخرها فتنة مهدي (جهيمان) السعودي في الحرم المكي، فرأو أنّ قطع دابر هذه الفتن، إنما يكون بإنكار هذه العقيدة الصحيحة!

<<  <  ج: ص:  >  >>