حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ
١٥٣٤ - ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ، ثنا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «فِي كُلِّ إِبِلٍ سَائِمَةٍ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ، وَلَا تُفَرَّقُ إِبِلٌ عَنْ حِسَابِهَا، مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا فَلَهُ أَجْرُهَا، وَمَنْ مَنَعَهَا فَأَنَا آخِذُوهَا وَشَطْرَ إِبِلِهِ، عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا، لَا يَحِلُّ لِآلِ مُحَمَّدٍ مِنْهَا شَيْءٌ» . حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ
١٥٣٥ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَرْبَعُونَ مِنَ الْإِبِلِ، بَيْنَ خُلَطَاءَ ثَمَانِيَةٍ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسٌ، فَإِنَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهَا - فِي قَوْلِ مَنْ نَظَرَ إِلَيَّ الْمَلِكِ - ثَمَانٌ مِنَ الْغَنَمِ، عَلَى كُلِّ رَجُلٍ شَاةٌ ⦗٨٦٩⦘، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِي كُلِّ الْأَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ، لَا تُفَرَّقُ إِبِلٌ عَنْ حِسَابِهَا» ؟ فَأَيُّ تَفْرِيقٍ أَشَدُّ مِنْ نَقْلِهَا مِنْ أَسْنَانِ الْإِبِلِ إِلَى الْغَنَمِ؟ وَهُوَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي حَدِيثِهِ، إِذَا كَانَ مِلْكَ وَاحِدٍ وَلَا أَكْثَرَ مِنْهُ، إِنَّمَا ذَكَرَ عَدَدَهَا مُجْتَمِعَةً، وَإِنَّمَا ذَهَبَ مَنْ نَظَرَ فِي الْمِلْكِ، تَشْبِيهًا بِصَدَقَةِ الذَّهَبِ وَالْوَرْقِ وَالْحَبِّ وَالثِّمَارِ، وَقَدْ جَاءَتِ السُّنَّةُ فِي الْمَاشِيَةِ بِخُصُوصِيَّةٍ لَهَا دُونَ غَيْرِهَا، أَلَا تَرَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَشْتَرِطِ النَّهْيَ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُتَفَرِّقِ، وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُجْتَمِعِ؟ وَلَمْ يَأْمُرْ بِتَرَاجُعِ الْخَلِيطَيْنِ إِلَّا فِي الْمَوَاشِي خَاصَّةً، فَإِذَا صُيِّرَتْ سُنَّتُهَا كَسَنَةِ غَيْرِهَا، بَطُلَ شَرْطُهُ فِيهَا، وَمَا كَانَ لِمَا سَنَّ مِنْ ذَلِكَ مَعْنًى، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ إِبْطَالُ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ سُنَّتِهِ، وَلَا تُقَاسُ السُّنَنُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، وَلَكِنْ تَمْضِي كُلُّ سَنَةٍ عَلَى جِهَتِهَا
١٥٣٦ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا الَّذِي حَكَيْنَا عَنْهُمْ فِي أَمْرِ الْخُلَطَاءِ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَلِيطَيْنِ مَالِكًا لِأَرْبَعِينَ شَاةً فَصَاعِدًا، فَأَمَّا إِذَا كَانَ أَحَدُ الْخَلِيطَيْنِ لَا يَبْلُغُ مُلْكُهُ أَرْبَعِينَ، فَإِنَّ الْأَوْزَاعِيَّ، وَسُفْيَانَ، وَمَالِكَ بْنَ أَنَسٍ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا صَدَقَةَ عَلَيْهِ، قَالُوا: وَتَكُونُ الصَّدَقَةُ عَلَى الْآخَرِ الْمَالِكِ لِلْأَرْبَعِينَ فَمَا زَادَتْ، وَلَا يُرْجَعُ عَلَى الْآخَرِ بِشَيْءٍ فِي قَوْلِهِمْ وَخَالَفَهُمُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ⦗٨٧٠⦘، فَقَالَ: إِذَا كَمُلَتِ الْأَرْبَعُونَ بَيْنَ خَلِيطَيْنٍ، فَفِيهَا شَاةٌ عَلَيْهِمَا، قَالَ: وَهُوَ تَأْوِيلُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ» وَتَكُونُ هَذِهِ الشَّاةُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمَا مِنَ الْغَنَمِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا ثَلَاثُونَ شَاةً وَلِلْآخَرِ عَشْرٌ، فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا شَاةٌ، فَيَتَرَاجَعَا، وَهُوَ أَنْ يَرْجِعَ صَاحِبُ الْعَشْرِ عَلَى رَبِّ الثَّلَاثِينَ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ قِيمَةِ الشَّاةِ، حَتَّى يَكُونَ إِنَّمَا يَلْزَمُهُ رُبُعُهَا، وَيَلْزَمُ الْآخَرُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهَا، عَلَى قَدِّ أَمْوَالِهِمَا، فَإِنْ كَانَتِ الشَّاةُ الْمَأْخُوذَةُ فِي الصَّدَقَةِ مِنْ مَالِ صَاحِبِ الْعَشْرِ، رُجِعَ عَلَى صَاحِبِ الثَّلَاثِينَ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ قِيمَتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ مَالِ صَاحِبِ الثَّلَاثِينَ، رُجِعَ عَلَى صَاحِبِ الْعَشْرِ بِرُبُعِ قِيمَتِهَا، فِي مَذْهَبِ اللَّيْثِ وَتَفْسِيرِهِ فَهَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ «وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَا بِالسَّوِيَّةِ» فِي مَذْهَبِ قَوْلِ اللَّيْثِ، وَأَمَّا الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ، فَذَهَبَا إِلَى أَنَّ مَعْنَى هَذَا هُوَ إِذَا بَلَغَ مُلْكُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْبَعِينَ فَزَائِدًا، وَذَلِكَ كَخَلِيطَيْنِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مِائَةُ شَاةٍ، لِأَحَدِهِمَا سِتُّونَ، وَلِلْآخَرِ أَرْبَعُونَ، فَفِيهَا - عَلَى قَوْلِهِمَا - شَاةٌ وَاحِدَةٌ، يَكُونُ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ خُمْسَاهَا، وَعَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهَا ⦗٨٧١⦘، وَقَالَ سُفْيَانُ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ سِوَى ذَلِكَ كُلِّهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنَ جَمِيعًا، قَالُوا فِي الْأَرْبَعِينَ بَيْنَ خَلِيطَيْنِ: لَا شَيْءَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَخَالَفُوا اللَّيْثَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَقَالُوا فِي الْمِائَةِ بَيْنَ خَلِيطَيْنِ: فِيهَا شَاتَانِ، عَلَى صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ وَاحِدَةٌ، وَعَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ وَاحِدَةٌ، وَتَرَكُوا التَّرَاجُعَ بَيْنَهُمَا، فَخَالَفُوا الْأَوْزَاعِيَّ وَمَالِكًا هَهُنَا
١٥٣٧ - قَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَنَا مُبَيِّنٌ، مَذْهَبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ -: أَمَا الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ فَإِنَّهُمَا نَظَرَا فِي الْأَرْبَعِينَ فَمَا دُونَهُمَا، إِلَى الْمِلْكِ، وَلَمْ يَعْتَدَّا بِالْمُخَالَطَةِ، وَنَظَرَا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ إِلَى الْمُخَالَطَةِ، وَلَمْ يَعْتَدَّا بِالْمُلْكِ، وَفِي هَذَا الْقَوْلِ مَا فِيهِ وَأَمَّا أَهْلُ الْعِرَاقِ، فَقَوْلُهُمْ يُشْبِهُ أَوَّلُهُ وَآخِرَهُ فِي نَظَرِهِمْ إِلَى الْمِلْكِ، وَتَرْكِهِمُ الِاعْتِدَادَ بِالْمُخَالَطَةِ، إِلَّا أَنَّ فِيَ ذَلِكَ إِسْقَاطُ سُنَّةِ النَّبِيِّ وَقَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي التَّرَاجُعِ بَيْنَ الْخَلِيطَيْنِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ تَرْكُ سُنَّةٍ، وَأَمَّا قَوْلُ اللَّيْثِ، فَإِنَّهُ عِنْدِي مُتَّبِعٌ لِلْحَدِيثِ فِي مُرَاجَعَةِ الْخَلِيطَيْنِ، وَهُوَ - مَعَ هَذَا - يُوَافِقُ قَوْلُهُ بَعْضَهُ بَعْضًا، وَلَا يَتَنَاقَصُ بِتَرْكِهِ النَّظَرَ إِلَى الْمِلْكِ فِي قَلِيلِ ذَلِكَ وَكَثِيرِهِ، وَاعْتِمَادِهِ عَلَى الْمُخَالَطَةِ وَلِاجْتِمَاعٍ فِي الْأَرْبَعِينَ فَصَاعِدًا، وَمِمَّا يُحَسِّنُ قَوْلَهُ، مَا ذَكَرْنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ، حِينَ أَمَرَ أَنْ يَعْتَدَّ عَلَيْهِمَا بِالْبُهُمِ، لِمَا يَدَعُ لَهُمْ مِنَ الْمَاخِضِ وَالرُّبَّى وَالْفَحْلِ وَشَاةِ اللَّحْمِ، فَرَأَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُمُ التَّغْلِيظُ، كَمَا كَانَتْ لَهُمُ الرُّخْصَةُ ⦗٨٧٢⦘، يَقُولُ اللَّيْثُ وَمَنِ احْتَجَّ لَهُ: وَكَذَلِكَ الْخَلِيطَانِ إِذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ شَاةً، لَزِمَهَا التَّغْلِيظُ، فَكَانَتْ عَلَيْهِمَا الصَّدَقَةُ، كَمَا تَكُونُ لَهُمَا الرُّخْصَةُ فِي ثَمَانِينَ شَاةً بَيْنَهُمَا، ثُمَّ لَا يَكُونُ عَلَيْهِمَا فِيهَا إِلَّا وَاحِدَةٌ، وَكَذَلِكَ عِشْرُونَ وَمِائَةٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ خُلَطَاءَ، لَا يَكُونُ عَلَيْهِمْ فِيهَا إِلَّا شَاةٌ، عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُهَا، فَيَكُونُ هَذَا بِذَلِكَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ، وَعَطَاءٍ قَوْلٌ سِوَى ذَلِكَ كُلِّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute