للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٩٠٢ - أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ أنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، أنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: «لَا صَدَقَةَ إِلَّا فِي نَخْلٍ أَوْ عِنَبٍ أَوْ حَبٍّ» وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَعَبْدُ الْكَرِيمِ

١٩٠٣ - قَالَ حُمَيْدٌ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي صَدَقَةِ الْحَبِّ، فَذَهَبَ مَالِكٌ وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ، إِلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ وَاجِبَةٌ فِي الْقَطَانِيِّ كُلِّهَا، كَوُجُوبِهَا فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، وَكَذَلِكَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ، سِوَى ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانَ غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا أَشَدُّهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْلًا، كَانَ يَرَى أَنْ تُضَمَّ أَصْنَافُ الْحُبُوبِ كُلِّهَا بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ مَعًا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أُخِذَتْ مِنْهَا الصَّدَقَةُ وَأَمَّا الْأَوْزَاعِيُّ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرَوْنَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ صَدَقَةً، حَتَّى يَبْلُغَ كُلُّ نَوْعٍ مِنْهَا عَلَى حِيَالِهِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا وَلَا يُعْجِبُنَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَالَّذِي نَخْتَارُهُ فِي ذَلِكَ الِاتِّبَاعَ لِسُنَّةِ ⦗١٠٣٢⦘ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّمَسُّكَ بِهَا، أَنَّهُ لَا صَدَقَةَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْحُبُوبِ إِلَّا فِي الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ، وَلَا صَدَقَةَ فِي شَيْءٍ مِنَ الثِّمَارِ إِلَّا فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُسَمِّ إِلَّا إِيَّاهَا مَعَ قَوْلِ مَنْ قَالَ بِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، ثُمَّ اخْتِيَارُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانَ إِيَّاهُ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَصَّ هَذِهِ الْأَصْنَافَ الْأَرْبَعَةَ لِلصَّدَقَةِ، وَأَعْرَضَ عَمَّا سِوَاهَا، قَدْ كَانَ يَعْلَمُ لِلنَّاسِ أَمْوَالًا وَأَقْوَاتًا مِمَّا تُخْرِجُ الْأَرْضُ سِوَاهَا، فَكَانَ تَرْكُهُ ذَلِكَ وَإِعْرَاضُهُ عَنْهُ عَفْوًا مَنْهُ كَعَفْوِهِ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَى التَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ فِيمَا لَا تُوجَدُ فِيهِ السُّنَّةُ، فَإِذَا وُجِدَتِ السُّنَّةُ قَائِمَةً لَزِمَ النَّاسَ اتِّبَاعُهَا عَلَى مَا وَافَقَ الرَّأْيَ وَخَالَفَهُ مَعَ أَنَّ التَّمَسُّكَ بِالسُّنَّةِ فِي ذَلِكَ أَصَحُّ عِنْدَنَا فِي مَذْهَبِ الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ مِنْ تَشْبِيهِ مَنْ شَبَّهَ، وَتَمْثِيلِ مَنْ مَثَّلَ بِخِلَافِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمَّا قَالَ لِنَبِيِّهِ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: ١٠٣] لَمْ يَأْخُذْ إِلَّا مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالنَّخْلِ وَالْكَرْمِ؟ وَإِنَّكَ إِذَا تَدَبَّرْتَ ذَلِكَ وَجَدْتَهُ أَرْبَعَةَ أَصْنَافٍ: الْعَيْنُ، وَالْمَاشِيَةُ، وَالثِّمَارُ، وَالْحَرْثُ ثَمَّ وَجَدْتَهُ قَدْ أَخَذَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنَ الْأَرْبَعَةِ مِنْ أَغْلَبِهِ وَأَكْثَرِهِ، وَعَفَا عَمَّا يَتْبَعُهُ مِنْ صِنْفِهِ وَإِنْ كَانَ شَبِيهًا بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ حِينَ أَخَذَ مِنَ الْعَيْنِ، أَخَذَ مِنَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، وَسَكَتَ عَنْ حُلِيِّ النِّسَاءِ , وَحِلْيَةِ السُّيُوفِ , وَالسُّرُوجِ , واللُّجَمِ، وَالْخَوَاتِيمِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ؟ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ فِيَ ذَلِكَ ذَهَبًا وَفِضَّةً، كَمَا الدَّرَاهِمُ فِضَّةٌ وَالدَّنَانِيرُ ذَهَبٌ وَأَخَذَ مِنَ الْمَوَاشِي، فَأَخَذَ مِنْ سَوَائِمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَلَمْ يَعْرِضْ لِسَوَائِمِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَأَخَذَ مِنَ الثِّمَارِ، فَأَخَذَ مِنَ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ، وَأَعْرَضَ عَمَّا سِوَى ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الثِّمَارِ فَكَذَلِكَ أَخْذُهُ الصَّدَقَةَ مِنَ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ، وَإِعْرَاضُهُ عَنْ سَائِرِ أَصْنَافِ الْحُبُوبِ، إِنَّمَا هُوَ عَفْوٌ مِنْهُ عَنْهَا، كَسَائِرِ مَا عَفَا عَنْهُ مِنْ تَوَابِعِ الْأَصْنَافِ الَّتِي ذَكَرْنَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ حَقٌّ فَرَضَهُ اللَّهُ لِلْفُقَرَاءِ فِي فُضُولِ أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ لِيَعِيشُوا بِهِ مَعَ الْأَغْنِيَاءِ , فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ , لِأَنَّهُمَا الثَّمَنُ لِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ فِي الْآفَاقِ، وَهُمَا مَعَ ذَلِكَ جُلُّ أَمْوَالِ أَهْلِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ , وَسَكَتَ عَمَّا يَتْبَعُهُمَا مِنْ حُلِيِّ النِّسَاءِ , وَحِلْيَةِ السُّيُوفِ وَالسُّرُوجِ وَاللُّجُمِ، وَالْخَوَاتِيمِ , ⦗١٠٣٣⦘ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِثَمَنٍ لِشَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ , وَإِنَّمَا هِيَ عُرُوضٌ تُبَاعُ , وَلِبَاسٌ يُلْبَسُ وَيُبَدَّلُ , وَزِينَةٌ يُتَزَيَّنُ بِهَا , وَلَا يَجْمَعُ النَّاسُ مِنْهَا مَا يَجْمَعُونَ مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَأَخَذَ مِنْ سَوَائِمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لُحُومَهَا وَأَلْبَانَهَا مَعَايِشَ لِلنَّاسِ , وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ جُلُّ أَمْوَالِ الْمَاشِيَةِ؛ لِيَعِيشَ الْفُقَرَاءُ مَعَ الْأَغْنِيَاءِ وَأَعْرَضَ عَمَّا سِوَاهَا مِنَ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ , مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا خُلِقَتْ مَتَاعًا وَزِينَةً , يَرْكَبُهُ النَّاسُ وَيَتَزَيَّنُونَ بِهَا , وَيَتَعَاوَرُونَهَا بَيْنَهُمْ , وَلَا يَتَّخِذُونَ مِنْهَا مَا يَتَّخِذُونَ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ , ⦗١٠٣٤⦘ وَأَخَذَ فِي الثِّمَارِ مِنَ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ , لِأَنَّهُمَا جُلُّ أَمْوَالِ أَهْلِ الثِّمَارِ، وَهُمَا مَعَ ذَلِكَ مِنْ مَعَايِشِ النَّاسِ الَّذِينَ يَتَعَيَّشُونَ بِهِ , وَمِنْ طَعَامِهِمُ الَّذِي يَيْبَسُونَ وَيَدَّخِرُونَ، وَأَعْرَضَ عَمَّا سِوَى ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الثِّمَارِ , وَإِنْ كَانَ مِنْهَا مَا يَيْبَسُ مِثْلَ الْجَوْزِ , وَاللَّوْزِ , وَالْخَوْخِ , وَالتِّينِ , وَالتُّفَّاحِ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، لِقِلَّتِهَا وَسُرْعَةِ فَنَائِهَا , وَلِأَنَّ النَّاسَ لَا يَتَّخِذُونَ شَيْئًا مِنْهَا لِلْمَعَاشِ , وَإِنَّمَا يَتَّخِذُونَهَا لِلشَّهَوَاتِ وَأَخَذَ مِنَ الْحَرْثِ , فَأَخَذَ مِنَ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ , لِأَنَّهُمَا الْغَالِبُ عَلَى طَعَامِ النَّاسِ وَأَعْلَافِهِمْ فِي عَامَّةِ الْأَمْصَارِ، وَهُمَا مَعَ ذَلِكَ أَكْثَرُ أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْثِ , وَسَكَتَ عَنْ سَائِرِ أَصْنَافِ الْحُبُوبِ عَفْوًا مِنْهُ كَعَفْوِهِ عَمَّا عَفَا عَنْهُ مِنْ تَوَابِعِ الْأَصْنَافِ الَّتِي ذَكَرْنَا , وَإِنْ كَانَ فِي النَّاسِ مِنَ الْغَالِبِ عَلَى طَعَامِهِ الْأُرْزُ , وَمِنْهُمْ مَنِ الْغَالِبُ عَلَى طَعَامِهِ الذُّرَةُ , فَإِنَّ الْبُرَّ وَالشَّعِيرَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ , وَأَغْلَبُهُ عَلَى طَعَامِ النَّاسِ

<<  <  ج: ص:  >  >>