أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ
٢١١٣ - ثَنَا ابْنُ أَبِي عَبَّادٍ، ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: ٦٠] ، قَالَ: «الْفَقِيرُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ مَالٌ، وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَيْ عَشِيرَتِهِ، وَالْمِسْكِينُ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ، وَلَا عَشِيرَةَ»
٢١١٤ - قَالَ أَبُو أَحْمَدَ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْنَا فِي التَّفْرِيقِ، بَيْنَ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ , أَنَّ الْمِسْكِينَ هُوَ الْمُتَعَفِّفُ الَّذِي يَتَشَبَّهُ بِالْأَغْنِيَاءِ فِي إِنْقَاءِ نَفْسِهِ وَثِيَابِهِ , وَلَا يَسْأَلُ النَّاسَ إِلْحَافًا , وَيَكُونُ لَهُ النَّشَبُ مِنَ الْمَالِ لَا يُقِيمُهُ , كَالدَّارِ يَسْكُنُهَا , وَالدَّابَّةُ يَرْكَبُهَا , وَالْخَادِمُ يَخْدُمُهُ , وَالضَّيْعَةُ لَا تُقِيمُهُ غَلَّتُهَا , وَلَا يَكُونُ لَهُ مِنَ الْمَالِ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَهُوَ يَتَشَبَّهُ ⦗١١٣٩⦘ بِالْأَغْنِيَاءِ وَلَيْسَ مِنْهُمْ , وَالْفَقِيرُ الظَّاهِرُ الْفَقْرِ , الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ مِمَّا ذَكَرْنَا , سَأَلَ النَّاسَ أَوْ لَمْ يَسْأَلْهُمْ , وَأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمِسْكِينِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ عَلَى الْفَقِيرِ , لِأَنَّهُ قَدْ أُمِرَ بِالتَّعَفُّفِ وَالتَّجَمُّلِ , وَهُوَ يَتَعَفَّفُ وَيَتَجَمَّلُ , وَنُهِيَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ وَإِظْهَارِ الْمَسْكَنَةِ , وَهُوَ لَا يَسْأَلُ وَلَا يَتَمَسْكَنُ، وَلِأَنَّ الَّذِي يُعْرَفُ بِالْحَاجَةِ قَدْ يُعْطَى وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْ , وَهَذَا لَا يَكَادُ يُعْطَى شَيْئًا لِتَجَمُّلِهِ وَغَفْلَةِ النَّاسِ عَنْ حَاجَتِهِ , وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى الْمِسْكِينُ فَقِيرًا , وَالْفَقِيرُ مِسْكِينًا , أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالطَّوَّافِ عَلَيْكُمُ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ , إِنَّمَا الْمِسْكِينُ الَّذِي يَتَعَفَّفُ» , يُرِيدُ أَنَّ الْمِسْكِينَ كُلَّ الْمِسْكِينِ لَيْسَ بِالطَّوَّافِ عَلَى الْأَبْوَابِ , وَإِنْ كُنْتُمْ تُسَمُّونَهُ مِسْكِينًا , إِنَّمَا الْمِسْكِينُ حَقًّا هُوَ الَّذِي يَتَعَفَّفُ , وَاقْرَءُوا هَذِهِ الْآيَةَ: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: ٢٧٣] إِلَى قَوْلِهِ: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: ٢٧٣] فَسَمَّاهُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَقِيرًا , وَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِسْكِينًا , لِمَا أَعْلَمْتُكَ , وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْمَسَاكِينَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ , وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ , وَكَفَّارَةِ الصِّيَامِ , وَجَزَاءِ الصَّيْدِ , وَلَمْ يَذْكُرِ الْفُقَرَاءَ مَعَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَصْحَابِ هَذِهِ الْكَفَّارَاتِ إِذَا وَضَعُوهَا فِي أَهْلِ الْحَاجَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَجْزَأَ ذَلِكَ عَنْهُمْ وَلَمْ يُفَرِّقُوا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بَيْنَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ , فَالْمِسْكِينُ فَقِيرٌ , وَالْفَقِيرُ مِسْكِينٌ , وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا مَا أَعْلَمْتُكَ