للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٣١ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِي تَمِيمُ بْنُ عَطِيَّةَ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَيْسٍ الْهَمْدَانِيُّ، أَوْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ الْهَمْدَانِيُّ قَالَ: قَدِمَ عُمَرُ الْجَابِيَةَ فَأَرَادَ قَسْمَ الْأَرْضِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: «وَاللَّهِ إِذًا لَيَكُونَنَّ مَا تَكْرَهُ، إِنَّكَ إِنْ قَسَمْتَهَا الْيَوْمَ، صَارَ الرَّبْعُ الْعَظِيمُ فِي أَيْدِي الْقَوْمِ ثُمَّ يَبِيدُونَ، فَيَصِيرُ ذَلِكَ إِلَى الرَّجُلِ الْوَاحِدِ أَوِ الْمَرْأَةِ، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِهِمْ قَوْمٌ يَسِدُّونَ مِنَ الْإِسْلَامِ مَسَدًّا وَهُمْ لَا يُحِدُّونَ شَيْئًا، فَانْظُرْ أَمْرًا يَسَعُ أَوَّلَهُمْ وَآخِرَهُمْ»

⦗١٩٦⦘

٢٣٢ - قَالَ هِشَامٌ: وَحَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ، أَوِ ابْنِ أَبِي قَيْسٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ، يُكَلِّمُ النَّاسَ فِي قَسَمِ الْأَرْضِ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ مُعَاذٍ إِيَّاهُ، قَالَ: فَصَارَ عُمَرُ إِلَى قَوْلِ مُعَاذٍ

٢٣٣ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَقَدْ تَوَالَتِ الْأَخْبَارُ فِي افْتِتَاحِ الْأَرَضِينَ عَنْوَةً بِهَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ، أَمَّا الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فَحُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَيْبَرَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ جَعَلَهَا غَنِيمَةً فَخَمَّسَهَا وَقَسَّمَهَا، وَبِهَذَا الرَّأْيِ أَشَارَ بِلَالٌ عَلَى عُمَرَ فِي بِلَادِ الشَّامِ، وَأَشَارَ بِهِ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ عَلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي أَرْضِ مِصْرَ، وَبِهَذَا كَانَ يَأْخُذُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، كَذَلِكَ يُرْوَى عَنْهُ وَأَمَّا الْحُكْمُ الْآخَرُ، فَحُكْمُ عُمَرَ فِي السَّوَادِ وَغَيْرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ جَعَلَهُ فَيْئًا مَوْقُوفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا تَنَاسَلُوا، لَمْ يُخَمِّسْهُ وَلَمْ يُقَسِّمْهُ، وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَبِهَذَا كَانَ يَأْخُذُ سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ قَوْلِهِ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْخِيَارُ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةَ إِلَى الْإِمَامِ، إِنْ شَاءَ جَعَلَهَا غَنِيمَةً فَخَمَّسَ وَقَسَّمَ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهَا فَيْئًا عَامًّا لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يُخَمِّسْ وَلَمْ يَقْسِمْ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكِلَا الْحُكْمَيْنِ فِيهِ قُدْوَةٌ وَمُتَّبَعٌ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ إِلَّا أَنَّ الَّذِيَ اخْتَارَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ النَّظَرُ فِيهِ إِلَى الْإِمَامِ، وَلَيْسَ فِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَادًّا لِفِعْلِ عُمَرَ. وَلَكِنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّبَعَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَعَمِلَ بِهَا، وَاتَّبَعَ عُمَرُ آيَةً أُخْرَى فَعَمِلَ بِهَا، وَهُمَا آيَتَانِ ⦗١٩٧⦘ مُحْكَمَتَانِ فِيمَا يَنَالُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ، فَيَصِيرُ غَنِيمَةً، أَوْ فَيْئًا. قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: ٤١] فَهَذِهِ آيَةُ الْغَنِيمَةِ، وَهِيَ لِأَهْلِهَا دُونَ النَّاسِ وَبِهَا عَمِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى، فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} [الحشر: ٧] إِلَى قَوْلِهِ: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: ٨] . {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} . {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} فَهَذِهِ آيَةُ الْفَيْءِ، وَبِهَا عَمِلَ عُمَرُ، وَإِيَّاهَا تَأَوَّلَ حِينَ ذَكَرَ الْأَمْوَالَ وَأَصْنَافَهَا. قَالَ: فَاسْتَوْعَبَتْ هَذِهِ الْآيَةُ النَّاسَ، وَإِلَى هَذِهِ الْآيَةِ ذَهَبَ عَلِيٌّ وَمُعَاذٌ حِينَ أَشَارَ عَلَى عُمَرَ بِمَا أَشَارَا - فِيمَا نَرَى - وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنَّ عُمَرَ إِنَّمَا فَعَلَ مَا فَعَلَ بِهِمْ بِرِضًى مِنَ الَّذِينَ افْتَتَحُوا الْأَرْضَ وَاسْتَطَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ، لَمَّا كَانَ عُمَرُ كَلَّمَ بِهِ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فِي أَمْرِ السَّوَادِ، وَقَدْ عَلِمْنَا مَا كَانَ مِنْ كَلَامِهِ إِيَّاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>