حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أنا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: هَذَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثَقِيفٍ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثَقِيفٍ، كَتَبَ أَنَّ لَهُمُ ذِمَّةَ اللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَذِمَّةَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّبِيِّ عَلَى مَا كَتَبَ لَهُمْ فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، أَنَّ وَادِيَهُمْ حَرَامٌ مُحَرَّمٌ لِلَّهِ كُلُّهُ، عِضَاهُهُ وَصَيْدُهُ وَظُلْمٌ فِيهِ وَسَرْقٌ فِيهِ أَوْ إِسَاءَةٌ، وَثَقِيفٌ أَحَقُّ النَّاسِ بِوَجٍّ، وَلَا يُغَيَّرُ طَائِفُهُمْ لَهُمْ، وَلَا يُدْخِلُهُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَغْلِبُهُمْ عَلَيْهِ، وَمَا شَاءُوا أَحْدَثُوا فِي طَائِفِهِمْ مِنْ بُنْيَانٍ أَوْ سِوَاهُ بِوَادِيهِمْ. وَلَا يُحْشَرُونَ وَلَا يُعْشَرُونَ، وَلَا يُسْتَكْرَهُونَ بِمَالٍ وَلَا نَفْسٍ، وَهُمْ أُمَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَتَوَلَّجُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَيْثُمَا شَاءُوا، وَأَيْنَمَا تَوَلَّجُوا، وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَسِيرٍ فَهُوَ لَهُمْ، هُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ حَتَّى يَفْعَلُوا بِهِ مَا شَاءُوا، وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دَيْنٍ إِلَى أَجَلِهِ فِي رَهْنٍ، فَإِنَّهُ لِوَاطٌ مُبَرَّأٌ مِنَ اللَّهِ "
٧٣٦ - وَفِي حَدِيثٍ يُرْوَى عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، إِنَّهُ لِيَاطٌ مُبَرَّأٌ مِنَ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ دَيْنٍ فِي صَحِيفَتِهِمُ الْيَوْمَ الَّذِي أَسْلَمُوا عَلَيْهِ فِي النَّاسِ فَإِنَّهُ لَهُمْ ⦗٤٥٤⦘ وَمَا كَانَ لِثَقِيفٍ مِنْ وَدِيعَةٍ فِي النَّاسِ أَوْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ غَنِمَهَا مُودِعُهَا أَوْ أَضَاعَهَا، أَلَا فَإِنَّهَا مُؤَدَّاةٌ وَمَا كَانَ لِثَقِيفٍ مِنْ نَفْسٍ غَائِبَةٍ، أَوْ مَالٍ، فَإِنَّ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ مِثْلَ مَا لِشَاهِدِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ مَالٍ بَلِيةٌ، فَإِنَّ لَهُمْ مِنَ الْأَمْرِ مِثْلَ مَا لَهُمْ بِوَجٍّ وَمَا كَانَ لِثَقِيفٍ مِنْ حَلِيفٍ أَوْ تَاجِرٍ فَأَسْلَمَ، فَإِنَّ لَهُ مِثْلَ قِصَّةِ أَمْرِ ثَقِيفٍ، وَإِنْ طَعَنَ طَاعِنٌ عَلَى ثَقِيفٍ أَوْ ظَلَمَهُمْ ظَالِمٌ، فَإِنَّهُ لَا يُطَاعُ فِيهِمْ فِي مَالٍ وَلَا نَفْسٍ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّه يَنْصُرَهُمْ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُمْ، وَالْمُؤْمِنُونَ وَمَنْ كَرِهُوا أَنْ يَلِجَ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّاسِ، فَإِنَّهُ لَا يَلِجُ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّ السُّوقَ وَالْبَيْعَ بِأَفْنِيَةِ الْبُيُوتِ، وَإِنَّهُ لَا يُؤَمَّرُ عَلَيْهِمْ إِلَّا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ: عَلَى بَنِي مَالِكٍ أَمِيرُهُمْ، وَعَلَى الْأَحْلَافِ أَمِيرُهُمْ، وَمَا سَقَتْ ثَقِيفٌ مِنْ أَعْنَابِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّ شَطْرَهَا لِمَنْ سَقَاهَا وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دَيْنٍ فِي رَهْنٍ لَمْ يُلَطَّ، فَإِنْ وَجَدَ أَهْلُهُ قَضَاءً قَضَوْا، وَإِنْ لَمْ يَجِدُوا قَضَاءً فَإِنَّهُ إِلَى جُمَادَى الْأُولَى مِنْ عَامِ قَابِلٍ، فَمَنْ بَلَغَ أَجَلُهُ فَلَمْ يَقْضِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ لَاطَهُ ⦗٤٥٥⦘ وَمَا كَانَ فِي النَّاسِ مِنْ دَيْنٍ، فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ إِلَّا رَأْسُهُ، وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَسِيرٍ بَاعَهُ رَبُّهُ، فَإِنَّ لَهُ بَيْعَهُ، وَمَا لَمْ يُبَعْ، فَإِنَّ لَهُ فِيهِ سِتَّ قَلَائِضَ، نِصْفَانِ حَقَائِقُ وَبَنَاتُ لَبُونٍ كِرَامٌ سِمَانٌ، وَمَنْ كَانَ لَهُ بَيْعٌ اشْتَرَاهُ، فَإِنَّ لَهُ بَيْعَهُ. حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ
٧٣٧ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ «عِضَاهُهُ» الْعِضَاهُ: كُلُّ شَجَرٍ ذِي شَوْكٍ وَقَوْلُهُ «لَا يُحْشَرُونَ» يَقُولُ: تُؤْخَذُ مِنْهُمْ صَدَقَاتُ الْمَوَاشِي بِأَفْنِيَتِهِمْ، يَأْتِيهِمُ الْمُصَدِّقُ هُنَاكَ، وَلَا يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَجْلِبُوهَا إِلَيْهِ وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ يَقِيسُ قَوْلَهُ: «لَا جَلْبَ» عَلَى هَذَا، وَأَكْثَرُ النَّاسِ يَذْهَبُ بِالْجَلْبِ إِلَى الْخَيْلِ وَقَوْلُهُ: «وَلَا يُعْشَرُونَ» يَقُولُ: لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ عُشْرُ أَمْوَالِهِمْ، إِنَّمَا عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ، مِنْ كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَقَوْلُهُ: «وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَسِيرٍ فَهُوَ لَهُمْ» يَقُولُ: مَنْ أُسِرُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ أَسْلَمُوا وَهُمْ فِي أَيْدِيهِمْ، فَهُوَ لَهُمْ حَتَّى يَأْخُذُوا فَدِيَتَهُ وَقَوْلُهُ «مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دَيْنٍ فِي رَهْنٍ فَبَلَغَ أَجَلَهُ، فَإِنَّهُ لِوَاطٌ مُبَرَّأٌ مِنَ اللَّهِ» يَعْنِي الرِّبَا، سَمَّاهُ: لِوَاطًا أَوْ لِيَاطًا لِأَنَّهُ رِبًا أُلْصِقَ بِبَيْعٍ، وَكُلُّ شَيْءٍ أَلْصَقْتَهُ بِشَيْءٍ فَقَدْ لُطْتَهُ بِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ: الْوَلَدُ أَلْوَطٌ، أَيْ أَلْصَقُ بِالْقَلْبِ، وَمِنْهُ يُقَالُ لِلشَّيْءِ تُنْكِرُهُ بِقَلْبِكَ: لَا يَلْتَاطُ هَذَا بِصَفَرِي وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ اللِّوَاطَ الرِّبَا قَوْلُهُ: «وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دَيْنٍ ⦗٤٥٦⦘ فِي رَهْنٍ وَرَاءَ عُكَاظٍ، فَإِنَّهُ يَقْضِي إِلَى عُكَاظٍ بِرَأْسِهِ» يَعْنِي رَأْسَ الْمَالِ، وَيَبْطُلُ الرِّبَا أَلَا تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِهِ {فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} وَيُرْوَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّمَا أُنْزِلَتْ فِي ثَقِيفٍ، ثُمَّ صَارَتْ عَامَّةً لِلنَّاسِ. وَقَوْلُهُ «مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دَيْنٍ فِي رَهْنٍ لَمْ يُلَطَّ، فَإِنْ وَجَدَ أَهْلُهُ قَضَاءً قَضَوْا» فَهَذَا هُوَ الدَّيْنُ الَّذِي لَا رِبَا فِيهِ، أَلَا تَرَاهُ قَدْ أَمَرَهُمْ بِقَضَائِهِ إِنْ وَجَدُوا، فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا أَخَّرَهُ إِلَى قَابِلٍ
٧٣٨ - وَهَذَا كِتَابٌ إِلَى الْمُسْلِمِينَ فِي ثَقِيفٍ بِإِسْنَادِ الْأَوَّلِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّ عِضَاهَ وَجٍّ وَصَيْدَهُ لَا يُعْضَدُ وَلَا يُقْتَلُ صَيْدُهُ، فَمَنْ وُجِدَ يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُجْلَدُ وَتُنْزَعُ ثِيَابُهُ، وَمَنْ تَعَدَّى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ فَيَبْلُغُ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ هَذَا مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَكَتَبَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ بِأَمْرِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَسُولِ اللَّهِ، فَلَا يَتَعَدَّهُ أَحَدٌ فَيَظْلِمَ ⦗٤٥٧⦘ نَفْسَهُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ لِثَقِيفٍ، وَشَهِدَ عَلَى نَسْخِهِ هَذِهِ الصَّحِيفَةَ، صَحِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ الَّتِي كَتَبَ لِثَقِيفٍ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ وَكَتَبَ نُسْخَتَهَا. أَنَا حُمَيْدٌ
٧٣٩ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ إِثْبَاتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَهَادَةَ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - فَقَدْ كَانَ يُرْوَى مِثْلُ هَذَا عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ، أَنَّ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ تُكْتَبُ وَيُسْتَشَبُّونَ فَيُسْتَحْسَنُ ذَلِكَ، فَهُوَ الْآنَ فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ، وَفِيهِ أَنَّهُ شَرَطَ لَهُمْ شُرُوطًا عِنْدَ إِسْلَامِهِمْ خَاصَّةً لَهُمْ دُونَ النَّاسِ، مِثْلَ تَحْرِيمِهِ وَادِيهِمْ، وَأَنْ لَا يُغَيَّرَ طَائِفُهُمْ وَلَا يَدْخُلَهُ أَحَدٌ يَغْلِبُهُمْ عَلَيْهِ، وَأَنْ لَا يُؤَمَّرَ عَلَيْهِمْ إِلَّا بَعْضُهُمْ وَهَذَا مِمَّا قُلْتُ لَكَ، إِنَّ الْإِمَامَ نَاظِرٌ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، فَإِذَا خَافَ مِنْ عَدُوٍّ غَلَبَةً لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِمْ إِلَّا بِعَطِيَّةٍ يَرُدُّهُمْ بِهَا فَعَلَ، كَالَّذِي صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَحْزَابِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَبَوْا أَنْ يُسْلِمُوا إِلَّا عَلَى شَيْءٍ يَجْعَلُهُ لَهُمْ، وَكَانَ فِي إِسْلَامِهِمْ عِزٌّ لِلْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَأْمَنْ مَعَرَّتَهُمْ وَبَأْسَهُمْ أَعْطَاهُمْ ذَلِكَ، فَيَتَأَلَّفُهُمْ بِهِ، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبِهِمْ، إِلَى أَنْ يَرْغَبُوا فِي الْإِسْلَامِ وَتَحْسُنَ فِيهِ نِيَّاتُهُمْ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ مِنْ هَذَا، مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَقْضٌ لِلْكِتَابِ وَلَا السُّنَّةِ، بَيَّنَ ⦗٤٥٨⦘ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ، فِيمَا أَعْطَاهُمْ تَحْلِيلَ الرِّبَا، أَلَا تَرَاهُ قَدْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنَّ لَهُمُ رُءُوسَ أَمْوَالِهِمْ، وَأَنَّ مَا كَانَ أَصْلُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَهُوَ - إِذَا كَانَ ابْتِدَاؤُهُ فِي الْإِسْلَامِ - أَشَدُّ تَحْرِيمًا وَأَحْرَى أَنْ لَا يَجُوزَ وَقَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ، أَنَّهُمْ كَانُوا سَأَلُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَنْ يُسْلِمُوا عَلَى تَحْلِيلِ الزِّنَا وَالرِّبَا وَالْخَمْرِ، فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَرَجَعُوا إِلَى بِلَادِهِمْ، ثُمَّ عَادُوا إِلَيْهِ رَاغِبِينَ فِي الْإِسْلَامِ، فَكَتَبَ لَهُمْ هَذَا الْكِتَابَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute