ولعل اقتصار الإمام أحمد في الرواية الأولى على ذكر الفرض فقط لا يدل على أن غيره من السنن جائز فإن من المعلوم أن النوافل صلاتها في البيوت هو الأفضل ولذلك لم يذكرها مع الفرض ويؤيده عموم قوله في الرواية الثانية " لا يصلى في مسجد بين المقابر إلا الجنائز ". فهذا جائز نص فيما قلناه
ويؤيده المنصوص عن أحمد ما تقدم عن أنس:
كان يكره أن يبنى مسجد على القبور
فإنه صريح على أن جدار المسجد لا يكفي حائلا بينه وبين القبر بل لعل هذا القول ينفي جواز بناء المسجد بين القبور مطلقا وهذا هو الأقرب لأنه حسم لمادة الشرك
ثم قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الاقتضاء ":
وقد كانت البنية التي على قبر إبراهيم عليه السلام مسدودة لا يدخل إليها إلى حدود المائة الرابعة فقيل إن بعض النسوة المتصلات بالخلفاء رأت في ذلك مناما فنقبت لذلك وقيل: إن النصارى لما استولوا على هذه النواحي نقبوا ذلك ثم ترك ذلك مسجدا بعد التفوح المتأخرة وكان أهل الفضل من شيوخنا لا يصلون في مجموع تلك البنية وينهون أصحابهم عن الصلاة فيها اتباعا لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم واتقاء لمعصيته كما تقدم
هكذا كان شيوخهم فيما مضى وأما شيوخنا اليوم فهم في غفلة من هذا الحكم الشرعي فكثير منهم يقصدون الصلاة في مثل هذه المساجد ولقد كنت أذهب مع بعضهم وأنا صغير لم اتفقه بالسنة بعد إلى قبر الشيخ ابن عربي لأصلي معه عنده فلما أن علمت حرمة ذلك باحثت الشيخ المشار إليه كثيرا في ذلك حتى هداه الله تعالى وامتنع من الصلاة هناك وكان يعترف بذلك لي ويشكرني على أن كنت سببا لهدايته رحمه الله تعالى وغفر له. والحمدلله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
[كراهة الصلاة في المسجد المبني على القبرو ولو دون استقباله]