للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلت: وفي هذا إشارة إلى أن المسجد والقبر لا يجتمعان في دين الإسلام كما تقدم ويأتي

ويشهد لهذا المعنى الحديث الخامس المتقدم بلفظ:

أولئك قوم إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا. . . أولئك شرار الخلق. . .)

فهو نص صريح في تحريم بناء المسجد على قبور الأنبياء والصالحين لأنه صرح أنه

من أسباب كونهم من شرار الخق عند الله تعالى ويؤيده حديث جابر رضي الله عن هـ قال

نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه " (٣٩)

فإنه بعمومه يشمل بناء المسجد على القبر كما يشمل بناء القبة عليه بل الأول أولى بالنهي كما لا يخفى

فثبت أن هذا المعنى صحيح أيضا يدل عليه لفظ (الاتخاذ) وتؤيده الأدلة الأخرى

أما شمول الأحاديث للنهي عن الصلاة في المساجد المبنية على القبور فدلالتها على ذلك أوضح وذلك لأن النهي عن بناء المساجد على القبور يستلزم النهي عن الصلاة فيها من باب أن النهي عن الوسيلة يستلزم النهي عن المقصود بها والتوسل بها إليه مثاله إذا نهى الشارع عن بيع الخمر فالنهي عن شربه داخل في ذلك كما لا يخفى بل النهي عن من باب أولى

ومن البين جدا أن النهي عن بناء المساجد على القبور ليس مقصودا بالذات كما أن الأمر ببناء المساجد في الدور والمحلات ليس مقصودا بالذات بل ذلك كله من أجل الصلاة فيها سلبا أو إيجابا يوضح ذلك المثال الآتي: لو أن رجلا بنى مسجدا في مكان قفر غير مأهول ولا يأتيه أحد للصلاة فيه فليس لهذا الرجل أي أجر في بنائه لهذا المسجد بل هو عندي آثم لإضاعة المال ووضعه الشئ في غير محله

فإذا أمر الشارع ببناء المساجد فهو يأمر ضمنا بالصلاة فيها لأنها هي المقصودة بالبناء وكذلك إذا نهى عن بناء المساجد على القبور فهو ينهى ضمنا عن الصلاة فيها لأنها هي المقصودة بالبناء أيضا وهذا بين لا يخفى على العاقل إن شاء الله تعالى

ترجيح شمول الحديث للمعاني كلها وقول الشافعي بذلك

وجملة القول: أن الاتخاذ المذكور في الأحاديث المتقدمة يشمل كل هذه المعاني الثلاثة فهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم وقد قال بذلك الإمام الشافعي رحمه الله ففي كتابه " الأم " (١ / ٢٤٦) ما نصه:

وأكره أن يبنى على القبر مسجد وأن يسوى أو يصلى عليه وهو غير مسوى (يعني أنه ظاهر معروف) أو يصلى إليه قال وإن صلى إليه أجزأه وقد أساء أخبرنا مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ". قال: وأكره هذا للسنة والآثار وأنه كره والله تعالى أعلم أن يعظم أحد من المسلمين يعني يتخذ قبره مسجدا ولم تؤمن في ذلك الفتنة والضلال على ما يأتي بعده "


(٣٩) - رواه مسلم (٣ / ٦٢) والسياق له وابن أبي شيبة (٤ / ١٣٤) والترمذي (٢ / ١٥٥) وصححه واحمد (٣ / ٣٣٩٣٩٩)

<<  <   >  >>