للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومما يقوي قلة الوثوق بفعلهم القول بأن المراد بهم الأمراء والسلاطين كما روي عن قتادة

وعلى هذا لقائل أن يقول: إن الطائفة الأولى كانوا مؤمنين عالمين بعدم مشروعية اتخاذ المساجد على القبور فأشاروا بالبناء على باب الكهف وسده وكف التعرض لأصحابه فلم يقبل الأمراء منهم وغاظهم ذلك حتى أقسموا على اتخاذ المسجد

وإن أبيت إلا حسن الظن بالطائفة الثانية فلك أن تقول: إن اتخاذهم المسجد عليهم ليس على طراز اتخاذ المساجد على القبور المنهي عنه الملعون فاعله وإنما هو اتخاذ مسجد عندهم وقريبا من كهفهم وقد جاء التصريح بالعندية في رواية القصة عن السدي ووهب ومثل هذا الاتخاذ ليس محذورا إذ غاية ما يلزم على ذلك أن يكون نسبة المسجد إلى الكهف الذي فهم فيه كنسبة النبوي إلى المرقد المعظم صلى الله تعالى على من فيه وسلم ويكون قوله} لنتخذن عليهم {على هذا الشاكلة قول الطائفة (ابنوا عليهم)

وإن شئت قلت: إن ذلك الاتخاذ كان على كهف فوق الجبل الذي هو فيه وفيه خبر مجاهد أن الملك تركهم في كهفهم وبنى علي كهفهم مسجدا وهذا أقرب لظاهر اللفظ كما لا يخفى وهذا كله إنما يحتاج إليه على القول بأن أصحاب الكهف ماتوا بعد الإعثار عليهم وأما على القول بأنهم ناموا كما ناموا أولا فلا يحتاج إليه على ما قيل (٦٣)

وبالجملة لا ينبغي لمن له أدنى رشد أن يذهب إلى خلاف ما نطقت الأخبار الصحيحة والآثار الصريحة معولا على الاستدلال بهذه الآية فإن ذلك في الغواية غاية وفي قلة النهى نهاية ولقد رأيت من يبيح ما يفعله الجهلة في قبور الصالحين من إشرافها وبنائها بالجص والآجر وتعليق القناديل عليها والصلاة إليها والطواف بها واستلامها والاجتماع عندها في أوقات مخصوصة إلى غير ذلك محتجا بهذه الآية الكريمة وبما جاء في بعض روايات القصة من جعل الملك لهم في كل سنة عيدا وجعله إياهم في توابيت من ساج ومقيسا لبعض على بعض وكل ذلك محادة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وابتداع دين لم يأذن به الله عز وجل

ويكفيك في معرفة الحق تتبع ما صنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسل في قبره عليه السلاة والسلام وهو أفضل قبر على وجه الأرض والوقوف على أفعالهم في زيارتهم له والسلام عليه فتتبع ذاك وتأمل ما هنا وما هناك والله سبحانه يتولى هداك "

قلت: وقد استدل بالآية المذكورة على الجواز المزعوم بل على استحباب بناء المساجد على القبور بعض المعاصرين (٦٤) لكن من وجه آخر مبتدع مغاير بعض الشئ لما سبق حكايته ورده فقال ما نصه "


(٦٣) - يشير إلى ما ذكره في أول الصفحة الأولى من الصفحتين المشار إليهما وهو قوله:
(٦٤) - هو الشيخ أبو الفيض أحمد الصديق الغماري في كتبابه المسمى " إحياء المقبور من أدلة استحباب بناء المساجد والقباب على القبور " وهذا الكتاب من أغرب ما ابتلى به المسلمون في هذا العصر وأبعد ما يكون عن البحث العلمي النزيه فان المؤلف يدعي ترك التقليد والعمل بالحديث الشريف فقد التقيت به منذ بضعة أشهر في المكتبة الظاهرية وظهر لي من الحديث الذي جرى بيني وبينه أنه على معرفة بعلوم الحديث وأنه يدعو للاجتهاد ويحارب التقليد محاربة لا هوادة فيها وله ذلك بعض المؤلفات كما قال لي ولكن الجلسة كانت قصيرة لم تمكني من أن أعرف اتجاهه في العقيدة وإن كنت شعرت من بعض فقرات حديثه انه خلفي صوفي ثم تأكد من ذلك بعد أن قرأت له هذا الكتاب وغيره حيث تبين لي أن يحارب أهل التوحيد ويخالفهم في عقيدتهم مخالفة شديدة ويقول البدعة الحسنة وينتصر للمبتدعة ولم يستفد من دعواه الاحتهاد إلا الانتصار للاهواء وأهلها ما يفعل مجتهدوا الشيعة تماما وإن شئت دليلا على ما أقول فحسبك برهانا على ذلك هذا الكتاب ". . . المقبور " فإن قبر كل الأحاديث المتواترة في تحريم البناء المساجد على القبور الذي قال به الأئمة الفحول بلا خلاف يعرف بينهم فهو والحق يقال: جرئ ولكن في محاربة الحق كيف لا وهو يرد كل ما ذكرناه من الأحاديث واتفاق الأئمة دون أي حجة اللهم إلا اتباع المتشابه من النصوص كآية الكهف هذه شانه في ذلك شأن المبتدعة في در النصوص المحكمات بالمتشابه نعوذ بالله من الخذلان وسيأتيك من كلامه بعض الأمثلة الأخرى على ما ذكرنا والله المستعان

<<  <   >  >>