" إن الصلاة في المسجد الذي به قبر كمسجد النبي صلى الله عليه وسلم ومسجد بني أمية لا يقال إنها صلاة في الجبانة فالقبر ضمن مقصورة مستقل بنفسه عن المسجد فما المانع من الصلاة فيه "
فهذا قول لم يصدر عن علم وفقه لأن المانع بالنسبة للمسجد الأموي لا يزال قائما وهو ظهور القبر من وراء المقصورة والدليل على ذلك قصد الناس للقبر والدعاء عنده وبه والاستغاثة به من دون الله وغير ذلك مما لا يرضاه الله والشارع الحكيم إنما نهى عن بناء المساجد على القبور سدا للذريعة ومنعا لمثل هذه الأمور التي تقع عند هذا القبر كما سيأتي بيانه فما قيمة هذه المقصورة على هذا الشكل المزخرف إنما هي نوع آخر من المنكر الذي يحمل الناس على معصية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وتعظيم صاحب القبر بما يجوز شرعا مما هو مشاهد معروف وسبقت الإشارة إلى بعضه
ثم ألا يكفي في إثبات المانع أن الناس يستقبلون القبر عند الصلاة قصدا وبدون قصد ولعل أولئك المشار إليهم وأمثالهم يقولون: لا مانع أيضا من هذا الإستقبال لوجود فاصل بين المصلين والقبر ألا وهو نوافذ القبر وشبكته النحاسية فنقول لو كان هذا المانع كافيا في المنع لما أحاطوا القبر النبوي الشريف بجدار مرتفع مستدير ولم يكتفوا بذلك بل بنو جدارين بمنعون بهما من استقبال القبر. ولو كان وراء الجدار المستدير وقد صح عن ابن جريج أنه قال: قلت لعطاء: أتكره أن تصلي في وسط القبور؟ أو في مسجد إلى قبر؟ قال: نعم كان ينهى عن ذلك أخرجه عبد الرزاق في " مصنفه "(١ / ٤٠٤) . فإذا كان هذا التابعي الجليل (عطاء بن أبي رباح) لم يعتبر جدار المسجد فاصلا بين المصلى وبين القبر وهو خارج المسجد فهل يعتبر فاصلا النوافذ والشبكة والقبر في المسجد؟