للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"للطبيعة". وينبغي أن يكون للزوج على الدوام حق الطلاق، كما ورد في التوراة. وذهب بودين إلى القول بأن انهيار سلطان الأب وتخلخل انضباط الأسرة كانا بالفعل يقوضان الأسس الطبيعية للنظام الاجتماعي. لأن الأسرة، وليست الدولة، هي وحدة النظام والأخلاق ومصدرها، فإذا انهارت وحدة الأسرة والانضباط، فلن يملأ فراغها أية قوانين مهما بلغ عددها (٦١). والملكية الخاصة أمر لا غنى عنه لكيان الأسرة وبقائها. والشيوعية مستحيلة لأن كل الناس ولدوا غير متساوين (٦٢).

وكان بودين أكثر واقعية من ماريانا وروسو في مناقشته لأصل الدولة. فليس ثمة لغو وهراء حول ميثاق أو عقد اجتماعي، فقد تنشأ الجماعات القروية على شيء من مثل هذا الاتفاق. أما الدولة. فقد نشأت بتغلب مجموعة من الأصوات على مجموعة أخرى، ثم أصبح زعيم الفريق المنتصر ملكاً (٦٣). ولم ينبع إقرار القوانين من إرادة الشعب أو "سيادته" بل من القوة النظامية للحكومة، - ومن ثم فإن الملكية المطلقة أمر طبيعي، فإنها في الدولة، استمرار لسلطة الأب في الأسرة الأبوية. فلن تكون هناك سيادة لأية دولة إذا خضعت لغير قوانين الطبيعة وقوانين الله (٦٤). وكما انتهى هوبز إلى هذه النتائج فراراً من الفوضى التي سببتها الحرب الأهلية في إنجلترا (١٦٤٢ - ١٦٤٩)، فإن بودين رأي في الحكومة الاستبدادية المخرج الوحيد من الحروب الدينية وتمزيق فرنسا، مع ملاحظة أن كتابه نشر بعد أربع سنوات فقط من مذبحة سانت برتلميو، وربما كتب بالدم الذي كان يجري أنهار في شوارع باريس. وبدا لبودين أنه إذا كانت مهمة الدولة هي المحافظة على النظام، فإن هذا لن يتسنى لها إلا عن طريق سيادة مطلقة غير قابلة للتحويل أو التخلي عنها.