على أن عصر المعجزات لم ينته). أما بسكال فقد صنع لنفسه شعار نبالة كان عبارة عن عين يحيط بها إكليل من الشوك، وقد كتب عليه Scio Cui Credidi- " أعرف من صدقت (٤٠) ".
وعكف الآن على كتابة دفاع مفصل عن الإيمان الديني يكون بمثابة وصيته الأخيرة. ولكن قصارى ما وجد في نفسه القدرة عليه، وهو أن يدون في إنجاز خواطر منفصلة يجمع بينها في ترتيب اجتهادي ولكنه قوي. ثم عاودته أوجاعه القديمة (١٦٥٨)، في شدة أعجزته إلى النهاية عن أن يضفي على هذه المذكرات تسلسلاً متماسكاً أو شكلاً بنائياً. فلما قام صديقه الدوق دروانيه وعلماء البور- رويال بتحرير ونشر هذه المادة وسموها "خواطر المسيو بسكال عن الدين وغيره من المسائل (١٦٧٠) ". وقد خشوا أن يقضي هذه "الخواطر" المبتورة التي خلفها بسكال إلى التشكك لا إلى التقوى، ومن ثم أخفوا الأجزاء المتشككة، وادخلوا تعديلاً على بعض ما بقي مخافة أن يسيء إلى الملك أو الكنيسة لأن اضطهاد البور- رويال كان قد توقف في تلك الفترة، وكره المحررون تجدد الجدل. ولم تنشر "خواطر" بسكال Pens (es في نصها الكامل الموثوق إلا في القرن التاسع عشر.
ولو شئنا أن نغامر بفرض ترتيب عليها لجعلنا نقطة بدايتها فلك كوبرنيق. ونحن نشعر ثانية- إذ نصغي إلى بسكال- يا للطمة الهائلة التي كان فلك كوبرنيق وجاليليو يكيلها للمسيحية التقليدية:
"ليتأمل الإنسان الطبيعية كلها في جلالها الكامل السامي، ليقص عن بصره الأشياء الوضيعة التي تحيط به، ولينظر إلى ذل النور المتوهج الذي وضع كأنه مصباح ابدي ينير العالم، ولتبد الأرض له مجرد نقطة داخل الدائرة الشاسعة التي يرسمها ذلك النجم، وليأخذه العجب من أن هذا المحيط الهائل إنما هو نقطة ضئيلة من زاوية النجوم التي تتحرك في قبة السماء.