ويجوز أن روسو، في حياته اللاحقة، وجد عنصر لذة في شعوره بالمقاومة والصد من العالم، ومن أعدائه، ومن أصدقائه.
وبعد اللذة التي وجدها في عقوبات الآنسة لامبرسييه وجد متعة في المنظر الطبيعي الرائع الذي أحاط به، "كان في الريف من الفتنة … ما حبب إليّ الحياة الريفية حباً لم يستطع الزمن أن يطفئه". (١٣) ولعل هذين العامين الذين أنفقهما في بوسيه كانا أسعد سني عمره رغم ما تكشفه له من ظلم في هذه الدنيا. فقد عوقب مرة على ذنب لم يجنه، فاستجاب بسخط لم يفارقه قط، وبعدها "تعلم أن يرائي، ويتمرد، ويكذب، وبدأت كل الرذائل المألوفة في حياتنا تفسد براءتنا السعيدة". (١٤)
ولم يجاوز قط هذه المرحلة من التعليم المدرسي أو الكلاسيكي وربما كان افتقاره إلى التوازن، وصواب الحكم، وضبط النفس، وإخضاعه العقل والوجدان-ربما كان هذا كله راجعاً لإنهاء تعليمه المدرسي في فترة مبكرة. ففي ١٧٢٤؛ حين بلغ الثانية عشرة، أعيد هو وابن خالته إلى بيت أسرة برنار. وزار أباه في نيون، وهناك هام بفتاة تدعى فورسون، فصدته عنها، ثم بأخرى تدعى جوتون "أبت أن تسمح له بشيء من التجاوز معها، في حين أباحت لنفسها أشد الحريات معي". (١٥) وبعد عام من التردد والتذبذب ألحق صبيا بحفار في جنيف. وكان يحب الرسم، وقد تعلم الحفر على ظروف الساعات، ولكن معلمه كان يضربه بقسوة على ذنوب صغيرة، "فدفعني إلى رذائل كنت أحتقرها بفطرتي، كالكذب، والكسل، والسرقة". وأنقلب الصبي الذي كان من قبل سعيداً إلى غلام منطوٍ مكتئب كاره لعشرة الناس.
ووجد السلوى في الإدمان على قراءة الكتب التي استعارها من مكتبة قريبة، وفي الرحلات الريفية يقوم بها في الآحاد. وحدث مرتين أنه تباطأ في الحقول حتى وجد أبواب المدينة مغلقة إذ حاول العودة، فأنفق الليل في العراء، ومضى إلى عمله نصف مشدوه، وكان جزاؤه علقة ساخنة.