وندرك السبب في أن الجماهير كانت لا تطيق مشاهدة مسرحيات ترنس Terrnce. ولما أن حاولت فرقة من الموسيقيين أن تعزف في أحد مواكب النصر في عام ١٦٧ أرغم النظارة أولئك الموسيقيين على أن يستبدلوا بعزفهم مباراة في الملاكمة (١٥).
وسيطرت النزعة التجارية على الطبقات الوسطى المطردة الزيادة، ولم يعد أساس ثرائها هو العقار كما كان من قبل، بل أصبح هذا الأساس هو الاستثمار التجاري أو إدارة الأعمال التجارية. ولم يكن في وسع القانون الأخلاقي القديم أو في وسع حفنة من الرجال من طراز كاتو أن يحولوا بين هذا العهد الجديد عهد رؤوس الأموال المتحركة أن يصبغ الحياة الرومانية كلها بصبغته. فكان كل إنسان يسعى جاهداً للحصول على المال، وكان كل إنسان يقدَّر ويقدَّر غيره بما عنده من المال، وكان المتعاقدون على الأعمال يغشون ويخدعون، وبلغ من غشهم وخداعهم أن تخلت الحكومة عن كثير من أملاكها- كمناجم مقدونية- لأن المتعاقدين معها على استغلالها كانوا يسخرون العمال ويبتزون أموال الدولة ابتزازاً أصبحت معه المشروعات مصدر بلاء للدولة لا مورد ربح لها (١٦). وتخلق الأشراف بالخلق الجديد، وشاركوا غيرهم في الثروة الجديدة- إذاً جاز لنا أن نصدق أقوال المؤرخين، ومن واجبنا ألا نصدقهم- بعد أن كانوا من قبل يرون أن الشرف أعلى قدراً من الحياة. وأصبحوا لا يفكرون في الأمة، بل يفكرون في امتيازاتهم ومطالبهم الطائفية والفردية، وصاروا يقبلون الهدايا والرشا الكبيرة لكي يمنحوا عطفهم على الأفراد والدول، وما أسهل ما كانوا يجدون سبباً لشن الحرب على البلاد التي فيها من الثروة أكثر مما فيها من القوة. وكان الأشراف يعترضون العامة في الطرقات ويستجدونهم أصواتهم أو يبتاعونها منهم، وأصبح من الأمور المألوفة أن يختلس الحكام الأموال العامة كما أصبح من غير المألوف أن يحاكم هؤلاء على ما يختلسون