للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يخالجهم شك في أنه لا سبيل إلى تلطيف ما تئن منه الدولة الرومانية من فساد وظلم إلا بانقلاب كامل وثورة جارفة.

ولم يحاول أحد جمع هذه الطوائف المشتقة وضمها كلها في قوة سياسية مؤتلفة إلا رجل واحد هو لوسيوس سرجيوس كاتلين Lucius Sergius Catiline، وهو رجل لا نعرف عنه إلا ما يصفه به أعداؤه- أي ما نستقيه من تاريخ حركته كما كتبها سلست Sallust الغني صاحب الملايين، وما نقرأه من اتهامات ومثالب مقذعة في خطب شيشرون ضد كاتلين. فأما سلست فيصفه بأنه "روح ملطخ بالإجرام، هو والآلهة والناس على طرفي نقيض، لا يجد الراحة في نومه ولا في يقظته لأن ضميره قد قسا عليه فأتلف عقله المضني المنهوك. وكان هذا سبباً في صفرة وجهه، وحمرة عينيه، وهرجلته في مشيه، فتارة يسرع وتارة يبطئ؛ وملاك القول أن وجهه ونظراته لا تترك مجالاً للشك في أن بعقله خبالاً" (٣٨). ذلك وصف يوحي بالصورة التي يرسمها لأعدائهم في الحرب أقوام يكافحون في سبيل الحياة والسلطان؛ حتى إذا ما وضعت الحرب أوزارها هذبت الصورة شيئاً فشيئاً. أما صورة كاتلين فلم تهذب قط؛ فقد اتهم في شبابه بافتراع عذراء فستية، وهي أخت غير شقيقة لزوجة شيشرون الأولى، وبرأت المحكمة العذراء من هذه التهمة ولكن ألسنة السوء لم تبرئ منها كاتلين، بل فعلت عكس هذا إذ أضافت إلى التهمة الأولى تهمة ثانية هي أنه قتل ابنه ليرضى بقتله عشيقته الغيور (٣٩). ولسنا نجد ما تعارض به هذه القصص إلا قولنا إن عامة الناس في رومه- "الغوغاء اليائسين الجياع" كما يسميهم شيشرون- ظلوا أربع سنين بعد وفاة كاتلين ينثرون الأزهار على قبره (٤٠). وينقل لنا سلست هذه الفقرة وهي كما يلوح فحوى خطبة له:

"منذ وقعت الدولة في قبضة عدد قليل من أقوياء الرجال … أصبح لهم فيها كل النفوذ والمنزلة والثروة، ولم يتركوا لنا فيها إلا الخطر والهزيمة والمحاكمات