للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون، وعاش معيشة ملك لاتيني في بلاط شرقي. وظلت مملكته جيلاً من الزمان "أغنى دول أوربا وأعظمها حضارة" (٢)، وكان هو أكثر ملوك زمانه استنارة (٣)، ولولاه لما وجد فردريك الثاني، وهو ملك أعظم منه.

وفي وسعنا أن نعرف ما كانت عليه صقلية في عهد النورمان باطلاعنا على كتاب جاري (١) للإدريسي. فقد كان فيها فلاحون مجدون يفلحون أرضها الخصبة ويخرجون الزرع ويمونون المدن. نعم إنهم كانوا يعيشون في أكواخ حقيرة ويعانون ما يعانيه النافعون على أيدي الماهرين من استغلال، ولكن تقواهم المشرقة كانت تكسب حياتهم كرامة، وأعيادهم وحفلاتهم وأغانيهم كانت تملأ هذه الحياة بهجة وبهاء. فقد كان لكل موسم من مواسم السنة الزراعية رقصه وأغانيه، وكان يصحب موسم جني الكروم أعياد خمرية تجمع بين الساترناليا Saturnalia القديمة وحفلات التنكر الحديثة، وحتى الفقراء أنفسهم بقي لهم الحب، والأغاني الشعبية التي تختلف من الفحش والهجاء إلى الأناشيد الشعرية الموفية على الغاية القصوى من الحنان والعفة. ويقول الإدريسي عن بلدة "شنت ماركو" (٢) (إن لها بادية ومزارع واسعة ومياه نابعة) وينبت بها من جميع جهاتها البنفسج الزكي الرائحة العطر الفائحة.

وعادت مسينا، وقطانيا، وسرقوسة إلى الازدهار كعهدها أيام القرطاجنيين واليونان، والرومان؛ وخيل إلى الإدريسي أن بالرم "هي المدينة السنية العظمى والمحلة البهية الكبرى، والمنبر الأعلى في بلاد الدنيا، وإليها في المفاخر النهائية


(١) هكذا يسميه المستشرقون أما اسمه الحقيقي فهو "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق" لأبي عبد الله محمد بن إدريس، وتوجد منه في دار الكتب المصرية نسخة مطبوعة في إيطاليا ومعها ترجمتها باللغة الإيطالية، وهي التي نقلنا عنها النصوص الواردة هنا. المترجم
(٢) هكذا يكتبها الإدريسي في نزهة المشتاق والجزء المحصور بين قوسين غير موجود في الأصل الإنجليزي ولكنا نقلناه للفائدة. المترجم