للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويمكن الاعتراض على هذا الدليل بالقول:

إنه من المسلم به أن معرفة العلة فرع عن دلالة النص، ومن المسلم به أيضًا أنه لا يصح للفرع أن يعود على أصله بالإبطال، إلا أن المنازعة قائمة في إسقاط هذه القاعدة على محل النزاع، وذلك لأن تأويل النص بصرفه من العموم إلى الخصوص أو من الخصوص إلى العموم أو بصرفه من الحقيقة إلى المجاز وغير ذلك من أوجه التأويل ليس هو «إبطالًا» للنص، وإنما هو إعمال له في أحد معنييه بكامل دلالته، وإعمال النص - ولو في أحد معنييه - مناف لإبطاله، فليس التأويل إبطالًا وإنما هو ترجيح لأحد معنيي أو محملي النص على الآخر، وشأن التعليل في ترجيح أحد هذين المحملين هو شأن أي قرينة تصرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى المعنى المؤول فلا يُقال بأن هذه القرينة بتأثيرها على النص بالتأويل تكون قد أبطلته.

نعم، يمكن القول بأنها أبطلت ظاهره، ولكنَّ هذا شيء وإبطاله كليا شيء آخر. ومن هنا قال الصفي الهندي، رحمه اللَّه، عندما علّق على اشتراط الأصوليين لصحة العلة أن لا تعود على أصلها بالإبطال: «هذا الشرط صحيح إن عني بذلك إبطاله بالكلية فأما إذا لزم فيه تخصيص الحكم ببعض الأفراد دون البعض فينبغي أن يجوز» (١).

فإن قيل: فما الدليل على أن عَوْد العلّة على ظاهر النص بالإبطال يفترق عن عودها عليه كليًا بذلك، وأن عودها على الظاهر بالإبطال لا يُعدّ من قبيل عود الفرع على أصله بالإبطال لا سيما أن العلة منبثقة عن النص كلّه بكلتا دلالتيه الظاهرة - أو الظنية - والقاطعة؟


(١) الزركشي، البحر المحيط، ج ٥، ص ١٥٣.

<<  <   >  >>