للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والجواب الصحيح عن هذا الإشكال هو أن تأثير تعليل النص على دلالته وإن تضمن تقديمًا للعقل على النقل فإنّ هذا إنما كان بموافقة الشرع وإقراره كما يظهر من خلال ما أُورد في الفصل الثاني من اجتهادات للصحابة انبنت على هذا الأصل فأقرها النبي -صلى الله عليه وسلم-، هذا من ناحية، وَمن ناحية أخرى، فإنّ التعليل ليس عملًا عقليًا محضًا بل هو محاطٌ بضوابط وقيود شرعية ومدلولٌ عليه بأدلة سمعية توقيفية، قال الغزالي رحمه اللَّه: إنّ الأدلة على العلة لا تكون إلا سمعية وتعليل الحكم وإثبات عين العلة ووصفها لا يمكن إلا بالأدلة السمعية كما يثبت الحكم الشرعي تمامًا (١).

«فإن قيل: فالحكم لا يثبت إلا توقيفًا ونصًا فلتكن العلة كذلك قلنا: لا يثبت الحكم إلا توقيفًا لكن ليس طريق معرفة التوقيف في الأحكام مجرد النص، بل النص والعموم والفحوى ومفهوم القول وقرائن الأحوال وشواهد الأصول وأنواع الأدلة، فكذلك إثبات العلة تتسع طرقه ولا يُقتصَر فيه على النص» (٢).

فإذا تقرر ما سبق لم يكن القول بتأثير تعليل النص على دلالته قولًا بتقديم العقل على النقل بتاتًا.

وأخيرًا وبعد استعرض أدلة المجيزين والمانعين من تأثير تعليل النص على دلالته ومناقشتها يظهر بجلاء رجحانُ أدلة المجيزين وهشاشة أدلة المانعين، لا سيما إذا أُضيف إلى أدلة المجيزين ما سبق إيراده من اجتهادات الصحابة رضوان اللَّه عليهم التي انبنت على تأثير تعليل النص على دلالته سواء تلك التي كانت إبّان حياته -صلى الله عليه وسلم- فأقرهم عليها أو تلك التي كانت بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم-.


(١) انظر: الغزالي، المستصفى، ج ٢، ص ٢٨٠.
(٢) الغزالي، المستصفى، ج ٢، ص ٢٨١.

<<  <   >  >>